أحداث غزة أسالت الكثير من المداد والدموع والعويل، والشعارات الخاوية، شعوب عاطفية صارت تتقن دور الضحية، وتنتظر المظاهرات هنا وهناك بالغرب، لتقول الحمد لله الإنسانية لا زالت بخير، هل أصيبت الذاكرة العربية بالتلف المتعمد؟ ألم يعدم قائد عربي يوم عيد الأضحى؟ ألم تسقط بغداد وأنتم تتفرجون؟ ألم تحرق سوريا ويهجر سكانها؟ ألم تدمر أفغانستان؟ ما أصاب اليمن والصومال والسودان وليبيا ولبنان؟ يتخيل لي أحيانا وكأن غزة بداية المأساة والأحزان العربية.
فقد قام الصهاينة عام 1969 بإحراق المسجد الٌأقصى ونام العرب ليلتها نوما عميقا وقالت غولدامايير آنذاك أنهم توقعوا ردة فعل قوية من العرب والمسلمون لكنهم لم يحركوا ساكنا، فتأكد لإسرائيل أنها لن تخشى العرب يوما ووجودهم كعدمهم، فما هم فاعلون الآن.
كيف الآن وهم يتآمرون على بعضهم البعض ودول تمزقت وتفتت إلى دويلات وديكتاتوريات عسكرية ومدنية تعود للواجهة، يرى أمين معلوف في كتابه le dérèglement du monde أن التاريخ العربي هو تاريخ خيانات، وما نراه الآن في العديد من التنديدات ما هي إلا واجهة أريد بها تلميع وجودهم الذي لا ينفع في شيء. التاريخ السياسي العربي تاريخ خيانات وانقلابات، إلا البعض القليل منها. وبحكم القوة، فمن لا يملك أعطى لمن لا يستحق، هكذا هي حكاية أمريكا وإسرائيل.
يقول الباحث الصهيوني دافيد وينبرج وهو مدير مركز للدراسات الإستراتيجية أن الجيوش العربية لم تعد تخشاها إسرائيل وأن التهديد العسكري العربي قد تبخر ويضيف أن المجتمعات العربية من تونس إلى العراق تزلزلهم صراعات داخلية وسيصابون بمشاكل اقتصادية واحتياجات وبذلك سيصعب عليها مواجهة إسرائيل عسكريا ويختم قوله بأن إسرائيل تنتصر وانتهى العرب.
هل هو الوقت المناسب لتنفيذ مخططات ربما يعرفها بعض زعماء دول الجوار؟ أم فقط مواجهات كالتي وقعت من قبل وانتهت بهدنة ووقف إطلاق النار، وعودة الأمور كما كانت، ألا تتحمل الفصائل الفلسطينية الكثير مما يعانيه المواطن الفلسطيني منذ عقود، أكثر من أربعين سنة من الصراع بين الفصائل من أجل قضية يريدون توحيد العرب والمسلمون عليها، وهم داخل فلسطين غير متفقين فيما بينهم.
وفي المقابل، ماذا قدم العرب للقضية، أين المثقفون الذين لا يقولون الحقيقة ويصفقون للسلطة ويزغردون للنخب السياسية الجديدة؟ ما معنى أن تكون مثقفا ولا تجرأ على كتابة سطر واحد تقول فيه الحقيقة، تقرأ فيه الواقع بدقة ومصداقية وشفافية، لعلك تساعد مجتمعا سئم العيش في الأسفل وتحت رحمة نخب لم تنفعه في شيء.
بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
محرر الشؤون العربية والإفريقية
مؤسس منصة “تفكير عربي”