
الريادة:من الواضح أنه ستكون هناك تسوية دبلوماسية مهمة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ جرَت مباحثات رفيعة المستوى في سلطنة عُمان تُعدُّ الأولى من نوعها منذ أعوام بين الطرفين، حسب ما أفاد موقع “ذا سايفر بريف” الأمريكي، المختص بالأمن القومي.
وقال “ذا سيفر بريف” في تحليل، إن وصف الطرفين لهذه المحادثات الأولية بأنها “مثمرة”، واتفاقهما على استئناف الحوار، يوحي باحتمالات حدوث انفراج في العلاقات التي شابَها توتر شديد منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، خلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب عام 2018.
ويعدُّ تصريح الرئيس ترامب، الذي قال فيه ما مفاده: “أريد لإيران أن تبلغ أوج ازدهارها. وأتمنى لها أن تكون عظيمة”، تحولاً ملحوظاً في الأسلوب الخطابي، مقارنةً بعبارة “الضغوط القصوى”، التي تبنتها إدارته السابقة.
ويشير تركيز ترامب على مجرد منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، بدلاً من المطالبة بتفكيك برنامجها النووي بالكامل، إلى تبني نهج أكثر واقعية خلال ولايته الرئاسية الثانية، حسب التحليل.
تحولات استراتيجية
وأوضح التحليل أن هناك عوامل عديدة من الأرجح أن تفسح المجال لمساعٍ دبلوماسية مجدية:
1. اعتبارات السياسة الداخلية: قد ينظر الرئيس ترامب، في بداية ولايته الثانية، إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بوصفه إنجازاً تاريخياً محتملاً، لا سيما بالتزامن مع مواجهة مبادرات أخرى في مجال السياسة الخارجية لبعض العقبات.
2. مخاوف تتعلق بالأمن الإقليمي: أعربت إسرائيل وغيرها عن تخوفها من التقدم النووي الإيراني، مما قد يدفع الولايات المتحدة نحو استئناف الجهود الدبلوماسية معها في هذا السياق.
3. الضغوط الاقتصادية: على الرغم من تبني إيران لمفهوم “الاقتصاد المُقاوِم”، فهي لا تزال تعاني من وطأة العقوبات الاقتصادية، مما قد يجعل قيادتها أكثر استعداداً للدخول في مفاوضات في ظل تنامي حالة الاستياء العام.
4. ديناميكيات إقليمية متغيرة: إن تطور العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن القوى الإقليمية الأخرى، ربما يكون قد أفسح المجال لتحقيق تقدُّم على الصعيد الدبلوماسي.
إطار عمل محتمل لصفقة جديدة
تشمل العناصر المحتملة للاتفاق النووي الجديد ما يلي:
1. تقييد تخصيب اليورانيوم: تستطيع إيران أن تحتفظ بقدرات التخصيب، ولكن في إطار قيود صارمة على مستويات التخصيب (أقل من 5% على الأرجح) وقيود على المخزون.
2. تحقُّق مُعزز: مراقبة شاملة تضطلع بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع احتمال تطبيق بروتوكولات تفتيش أدق وأكثر توغلاً من تلك التي نصَّت عليها خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية.
3. تخفيف تدريجي للعقوبات: جدول زمني منظَّم لإزالة العقوبات الاقتصادية، على أن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحقق من الامتثال للقيود النووية.
4. بنود تتعلق بالأمن الإقليمي: إمكانية إدراج بنود تتناول برنامج إيران للصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية عبر وكلائها، وهي قضايا لم يتم تناولها بالكامل في خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية.
5. آليات الإعادة الفورية للعقوبات: إعادة فرض سريعة للعقوبات إذا انتهكت إيران بنود الاتفاق.
التحديات والمعوقات
وأشار التحليل إلى أن هناك معوقات كبيرة تعترض طريق إبرام اتفاق ناجح، أبرزها على الإطلاق:
1. ثقة متدنية: تسود أجواء من الشك الشديد بين الطرفين، إذ تتوجس إيران من مدى التزام الولايات المتحدة بعد انسحابها الأخير، بينما تشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء مدى شفافية إيران.
2. معارضة داخلية: يرفض المتشددون في كلا البلدين تقديم أي تنازلات، إذ يبدي المحافظون الإيرانيون شكوكاً حيال الوعود الغربية، بينما يقاوم بعض المشرعين الأمريكيين أي اتفاق يُعدُّ غير وافٍ من وجهة نظرهم.
3. تعقيدات فنية: يخلق التقدم النووي الإيراني المتزايد تحديات في عمليات التفتيش لم تكن موجودة خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية.
4. مخاوف الأطراف الإقليمية ذات المصلحة: من المرجح أن تطالب إسرائيل ودول الخليج بضمانات تؤكد أن أي اتفاق يتم التوصل إليه سيبدد مخاوفها الأمنية بالقدر الكافي.
5. خلافات بشأن النطاق: دأبت إيران تاريخياً على الإصرار على حصر النقاش في المسائل النووية في نطاق المطالبة برفع شامل للعقوبات المفروضة عليها، في حين قد تسعى الولايات المتحدة إلى فرض قيود أوسع نطاقاً على تصرفات إيران.
مسارات التنفيذ
فيما يلي الآليات المحتملة لإبرام اتفاق نووي جديد:
1. اتفاق تنفيذي في مقابل معاهدة: تختص هذه المسألة، بما إذا كان ترامب سيتبع مسار معاهدة رسمية تقتضي تصديق مجلس الشيوخ، أم سيعتمد على سلطته التنفيذية في إبرام الاتفاق.
2. نهج متعدد الأطراف في مقابل نهج ثنائي: تتعلق هذه المسألة بمدى مشاركة الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين في المفاوضات، مقارنةً بمسار مباشر للتواصل بين الولايات المتحدة وإيران.
3. خطوات متدرجة: تدابير محتملة لبناء الثقة يمكن أن تسبق إبرام اتفاق شامل.
التداعيات الإقليمية والعالمية
سيكون لنجاح الاتفاق النووي تبعات بعيدة المدى، أبرزها ما يلي:
1. أسواق النفط: إن عودة النفط الخام الإيراني إلى الأسواق العالمية من شأنها أن تؤثر على أسعار الطاقة العالمية ومتغيراتها.
2. بنية الأمن الإقليمي: إن حدوث انفراج في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران من شأنه أن يُحدِث تحولاً في التحالفات والاعتبارات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
3. نظام منع الانتشار النووي: إن نجاح أو فشل هذه المساعي الدبلوماسية سيؤثر على الحسابات النووية للدول الأخرى وعلى مدى قوة الإطار العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية.
تقييم وآفاق مستقبلية
يمثل استئناف المفاوضات بحد ذاته طفرة بالغة الأهمية، غير أن ثمة عقبات كبيرة لا تزال قائمة. ويواجه المفاوضون مساراً شاقاً يقتضي تحقيق توازن دقيق بين المتطلبات الفنية والاعتبارات السياسية والمخاوف الأمنية.
ويشير الانفتاح الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران إلى وجود فرصة حقيقية، على الرغم من أن النجاح سيتطلب إرادة سياسية مستمرة ودبلوماسية مبتكرة من كلا الطرفين.
ولا تزال المخاطر جسيمة للغاية، إذ تتمثل في الحيلولة دون امتلاك إيران أسلحة نووية، وتجنب أي مواجهة عسكرية محتملة، وإمكانية إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط لعقودٍ قادمة.