الريادة

احتجاجات خجولة تثير المخاوف من “انفجار الأوضاع”

مظاهرة احتجاجية

الريادة/ اندلعت تظاهرات ليلية، الاثنين، في منطقة مرناق (جنوب شرق تونس)، احتجاجا على إطلاق السلطات التونسية، سراح رئيس بلدية بعد توقيفه إثر إقدام بائع متجول على الانتحار بعد مصادرة السلطات المحلية معدات عمله، وفقا لـ”فرانس برس”.

وتكافح تونس لإنعاش ماليتها العامة مع تزايد الاستياء من التضخم الذي بلغ 8.6 بالمئة، ونقص العديد من المواد الغذائية في المتاجر، مع عدم قدرة البلد على تحمل تكاليف ما يكفي من بعض الواردات الحيوية، ما أثار مخاوف من اتساع نطاق التوتر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد الذي يعاني أزمات حادة.

وأقدم البائع المتجول، السبت، على الانتحار شنقا في منزله بمحافظة بنعروس التي تبعد حوالي 15 كلم عن العاصمة، وقال أفراد من عائلته إنه “شنق نفسه بعد أن ضايقته شرطة البلدية عندما كان يبيع الفواكه على الرصيف في الشارع”، وفقا لـ”رويترز”.

من جانبها فتحت السلطات تحقيقا في “الموت المستراب في أسبابه (أي أسبابه غير واضحة)”، وفقا لـ”وزارة الداخلية التونسية”.

وخلصت الأبحاث الأولية إلى أن المتوفي واسمه محمد أمين الدريدي كان يعمل بائع خضار وغلال و”يعيش خلافات عائلية حادة”، وفقا للوزارة.

وأعاد الانتحار للأذهان، حادثة محمد البوعزيزي الذي أقدم عام 2011 على الانتحار حرقا بعد أن صادرت الشرطة بضاعته ما أثار موجة احتجاجات واسعة في البلاد، اندلعت على إثرها “ثورة” انتهت بهروب الرئيس السابق، زين العابدين بن علي.

وعلى إثر الاحتجاجات الليلية الاثنين، اندلعت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين كانوا يرفعون مطالب اجتماعية وينددون “بغلاء المعيشة”، حسب “فرانس برس”.

وأطلقت قوات مكافحة الشغب قنابل الغاز لتفريق المحتجين، الذين رفعوا شعارات ضد الشرطة ورشقوها بالحجارة، حسب “رويترز”.

وشهد حي دوار هيشر الشعبي الفقير في العاصمة تونس، ليل الأحد، احتجاجات ليلية ومواجهات بين قوات الأمن وسكان المنطقة الذين رددوا شعارات منها “شغل حرية كرامة وطنية”.

وتعاني تونس من “نقص في المواد الغذائية الأساسية”، مع وجود رفوف فارغة في محلات السوبر ماركت والمخابز مما يزيد من السخط الشعبي من ارتفاع الأسعار لدى العديد من التونسيين الذين يقضون ساعات في البحث عن السكر والحليب والزبدة والأرز والزيت.

وأظهرت مقاطع متداولة على موقع “فيسبوك”، العشرات يتدافعون للفوز بكيلوغرام واحد من السكر في متاجر عبر البلاد.

يتحدث رئيس تحرير صحيفة الأنوار التونسية، نجم الدين العكاري، عن “أزمة اقتصادية وهيكلية شاملة في تونس منذ فترة”، ما تسبب في ” نقص بعض المواد الأساسية المستوردة من الخارج”، ما أسفر عن “ندرة تلك المنتجات وارتفاع أسعارها”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يؤكد أن تلك المعطيات “تسبب في ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد”، ما أدى لخروج “تظاهرات واحتجاجات في بعض المناطق الشعبية الفقيرة”.

ويتحدث المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي، عن “أزمة اقتصادية واجتماعية تشتد يوما تلو الآخر” بسبب “تفاقم ندرة المواد الأساسية وزيادة نسب التضخم وغلاء الأسعار”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يشير إلى “غياب الحلول الحكومية العاجلة”، ما تسبب في “ظهور احتجاجات اجتماعية في الشارع التونسي قد تتحول إلى انفجار شامل يهز أركان الاستقرار الاجتماعي في البلاد”.

من جانبه، لا ينفي الكاتب والمحلل السياسي التونسي، باسل الترجمان، “غياب بعض السلع غير الأساسية من الأسواق”، ولكنه يعتبر أن هناك “توجيه إعلامي ممنهج لتسليط الضوء على نقص تلك السلع”.

ويشير في تصريحات لموقع “الحرة”، إلى أن “تونس تعاني من أزمة اقتصادية منذ 10 سنوات، بسبب ممارسات غير مسؤولة للحكومات السابقة التي دمرت الاقتصاد التونسي”.

ونتيجة تلك الممارسات تراكمت الديون على تونس والتي وصلت إلى 120 مليار دينار تونسي، وتسعى “الحكومة لإيجاد حلول لتلك الأزمة الآن”، وفقا لحديث الترجمان.

ويتحدث الترجمان عن “أزمة اقتصادية عالمية وغياب وندرة السلع الأساسية وارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم وانهيار العملات في العديد من دول العالم”، مضيفا “الأزمة التي تعيشها تونس ليست حدثا استثنائيا”.

أزمة اقتصادية وسياسية

منذ 25 يوليو 2021، تواجه تونس أزمة اقتصادية وسياسية حادة، وتعيش البلاد على وقع تغييرات كبيرة منذ قرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، احتكار السلطات في البلاد وتجميد أعمال البرلمان ثم حله واقرار دستور جديد في البلاد إثر استفتاء.

وتعتبر منظمات حقوقية والمعارضة السياسية وفي مقدمتها حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية ما حدث “انقلابا على الثورة”، بينما قال سعيد إنها “خطوة قانونية لإنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري”.

أما اقتصاديا، فقد واصلت معدلات التضخم ارتفاعها لتصل إلى 8,6 في المئة، ووصلت نسب البطالة إلى 15,3 في المئة، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 12 مليون نسمة.

ورفعت الحكومة هذا الشهر سعر أسطوانات غاز الطهي 14 في المئة لأول مرة منذ 12 عاما، ورفعت أسعار الوقود للمرة الرابعة هذا العام كجزء من خطة لخفض دعم الطاقة وهو اصلاح رئيسي يطالب به صندوق النقد الدولي، وفقا لـ”رويترز”.

وتسعى تونس، التي تواجه أسوأ أزمة مالية لها، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لإنقاذ المالية العامة من الانهيار، فهل تستطيع البلاد تجاوز أزمتها السياسية والاقتصادية؟

يتحدث الترجمان عن تغطية تونس لوارداتها من العملة الصعبة لقرابة 113 يوما، نافيا أن تكون هناك “أزمة اقتصادية متصاعدة في البلاد”.

ولا يوجد “غضب شعبي في البلاد”، لكن بعض “العاطلين عن العمل يقومون بمسيرات مساء كل أحد في أحد ضواحي تونس”، وفقا لحديث الترجمان.

من جانبه، يؤكد العكاري أن “السلطات التونسية تسعى لتوفير المواد الأساسية للمواطنين ودعم القطاعات المحتاجة وتوفير المواد الناقصة ودعم أسعارها لتهدئة الاحتجاجات في الشارع”.

ويشير العكاري إلى “إصلاحات تقوم بها الدولة لتحسين المداخيل وتكثيف البحث عن النفط والغاز والاستفادة من قطاع الزراعة”، فضلا عن المناقشات مع “صندوق النقد الدولي”، لمواجهة الأزمة المالية المتصاعدة.

لكن على جانب أخر، يشير رياض الشعيبي إلى “تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وغياب الاستثمارات الخارجية بصفة عامة ما يعقد المشهد الاقتصادي في البلاد”.

هل يتسع الغضب الشعبي؟

يتحدث الشعيبي عن “أزمة شاملة متعددة الأوجه”، وتشمل “البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي”، ما تسبب في حالة غضب شعبي من سياسات الرئيس والحكومة.

وفي ظل “مخاطر متصاعدة”، قد يتسع الغضب الشعبي في الشارع، ويتحول ذلك إلى “مطالب بتغير النظام السياسي الحالي”، وفقا لحديث الشعيبي.

لكن الترجمان يرد على ذلك الطرح، متسائلا:” أين هذا السخط الشعبي والتوتر الاجتماعي؟”، معتبرا أن “هناك أطراف سياسية فشلت سابقا وتحاول ركوب موجة الأحداث لافتعال أزمات في البلاد”.

ويعتبر أن تلك الأطراف “فقدت مصداقيتها وقدرتها على الحشد في الشارع” وبالتالي يحاولون “التجارة بالأزمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، على حد تعبيره.

ومن جانبه يشير العكاري إلى أن تونس مقبلة على “ديسمبر” الذي يعد شهر الاحتجاجات الكبرى والخروج للشارع في البلاد، ولذلك على “الحكومة حل الأزمات التي تعاني منها تونس قبل ذلك”.

ويستبعد العكاري “تطور الغضب الشعبي واتساعه وتحوله إلى احتجاجات واسعة”، واصفا الاحتجاجات الحالية في تونس بـ”الظرفية”.

ويحذر العكاري من”ارتفاع نسب الجريمة في الشارع بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الفئات الفقيرة”، لكنه يؤكد أن “التونسيين لن يرفعوا شعارات تطالب بإسقاط النظام على غرار ما حدث سابقا في 2011”.

من جانبه يؤكد الشعيبي أن لدى السلطة التونسية “فرصة أخيرة” لتحقيق توافق سياسي لتجاوز الأزمة الشاملة في البلاد واحتواء “الحراك الاجتماعي”، مشيرا إلى أن “الحكومة ورئيس الدولة لا يذهبان في ذلك الاتجاه ما قد يساهم في انفجار الأوضاع في البلاد”، على حد تعبيره.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية