الريادة

العنف ضد الأطفال في المدارس الموريتانية

لقد كانت المحظرة الموريتانية طوال قرون المدرسة والحاضنة الوحيدة للعلوم والمؤسسات العلمية الوحيدة ، ومنها انطلق الإشعاع العلمي والثقافي لبلاد شنقيط ومحاظرها التي طالما استقطبت الراغبين في التحصيل العلمي والمعرفي من شتى بقاع العالم ، وفي خضم الحركة الإستعمارية جاء التعليم النظامي لكنه لم يستطع بعد أخذ مكانة المحظرة ودورها العتيق.

هذا النمط التعليمي الذي تميز بمجموعة من الخصائص مسلم بها عند سكان المنطقة في حقب تاريخية قديمة ومن هذه السمات ضرب الأطفال كوسيلة للتأديب ومن هذا الضرب ما يكون شنيعا وبأساليب عنيفة تتصاعد حسب عمر الطفل ومرحلته الدراسية .
ومع تراجع هذا النمط من التعامل في المحاظر إلا أنه بقي موجودا وسجلت منه حالات كان محل رفض واستنكار من جهات تربوية وحقوقية، فضلا عن أولياء أمور الطلبة.
رغم التجريم القانوني لضرب الأطفال إلا أنه تسجل سنويا العديد من الحالات سواء في المدارس النظامية أو المحاظر الأهلية .
ظاهرة ضرب الإطفال تعرضت مؤخرا لجملة من الانتقادات بين من يرى فيها نوعا من الترويع الذي لايمكن أن يستفيد معه طالب علميا ومن يراها إجراء ضروريا لايمكن الاستغناء عنه لترويض بعض الطلاب كما انه عرف شائع في المحاظر التقليدية .
بعض مدرسي المحاظر يعتب الأمر مجرد حملة على بعض المحاظر أن هذه “الحملة” موجهة ومبالغ فيها وتخدم أجندات أخرى

محمد الولي ولد المصطف شيخ محظرة الإحسان ييدأ حديثه معنا بدور المحظرة في نشر العلم ملفتا إلى مكانة العلم وأهميته مضيفا ” ضرب الطلاب في المحاظر ليس بهذا الحجم الذي يعطيه البعض ، فهناك من الشيوخ -عفا الله عنهم- من يجد في تهديد الطلاب وأحيانا ضربهم ضربا خفيفا لايرقى إلى مستوى الأذية الجسدية ، فذلك من المعلوم أنه يرعب الصبيان وغالبية طلاب المحاظر صبية ، فما هو معمول به عندنا هنا هو الترغيب في العلم والحفظ وتناول الدرس وحضور الحصص ، وبعيدا عن تلك المهاترات التي ظهرت مؤخرا إذا استثنينا حالة شذوذ ربما تعود لناقص عقل أو جاءت لحظة غضب لن يبقى الكثير لنأخذ به في هذا الخصوص ، ولايجب أن نحمل فعلا خاطئا واحد على الجميع ونعتبره فعلا سائدا لدى كل الشيوخ ، فمن الضروري فعلا كما يلمح البعض إلى ذلك أن تكون هناك نسبة من التعاطي والتقارب بين التلميذ المحظري وشيخه وهذا لايكون إلا بإزالة الفوارق بينهما ، وعندما أقول الفوارق أتحدث هنا عن تلك التي لايزول بزوالها الاحترام والوقار وتقدير الشيخ ، فإن حدث هذا ضمنا جوا ملائما للمحظرة التي وجدنا عليها أسلافنا وآباءنا من قبلنا ، ولم تشبها شائبة في عهدهم .

وما نراه اليوم أعتبر أغلبه تحاملا على التقليد بل هو في ذاته تقدمية عمياء وراءها أجندة تخدمها ” ينهي الشيخ حديثه.
“خرق واضح لحقوق الإنسان وترهيب وتعذيب جسدي للأطفال ” هكذا يرى بعض الطلاب السابقين في المحظرة ، وهناك من يجد في المدرسة الحكومية “مثالب” تتشابه إلى حد بعيد مع مايجري في المحاظر (يستتشهد سيدي الأمين طالب محظرة سابق بحادثة ضرب طالب بسياط في مدرسة حكومية نشرت صورها عام 2019) حيث يرى أن ” الحديث عن التعذيب الجسدي يجب أن يشمل أيضا مايجري في المدارس وهو أدهى وأمر مما هو معلن ، لكن هذه حملة عشواء غير مبررة ولها أهدافها ، ولاننكر أن هناك بعض الشيوخ يضرب طلابه ولكن يجب على هؤلاء أن يفهموا أن ذلك من أجل  مصلحتهم فقط “

هو “جريمة ضد الإنسانية” يؤكد الناشط الحقوقي المعلوم ولد أوبك ، مضيفا ” عندما نتحدث عن قضية العنف في التعليم سواء النظامي أو المحظري فهذه جريمة متكاملة الأركان وانتهاك لكرامة الإنسان 《وَلَقَدْ كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ》.

“وأنا أعتبر أن العنف الممارس في العملية التعليمة هو بداية تأهيل نحو التطرف وثقافة العنف بين الشباب ولذا فإن الضرب والتنكيل أثناء عملية التدريس مناف لروح القرآن وشعيرة التعلم والمعرفة ، وهو جريمة متكاملة الأركان لعدة اعتبارات لأن الطفل لايتحمل مسؤولية سلوكه ومن غير المطقي أن نضربه على فعله اجترحه ، وفي مرحلة التهجي والبداية الأولى للتعليم من غير المعقول أن نأخذ التلميذ ونزرع فيه التعذيب والترهيب وبحجج واهية وإذا فعلنا فإن ذلك فشل لنا في مواجهة التحديات التي تعيقهم ، وهذه الظاهرة تنتشر بشكل واسع سواء في التعليم الأهلي المحظري أو التعليم النظامي خاصة الأساسي ، وحماية الطلاب تتطلب وثبة من منظمات حقوق الإنسان للمحافظة على حرية النشء للأطفال وأعتقد أن القوانين الموريتانية يجب أن تفعل في وجه هذه الأمور وفي وجه التجاوزات على كرامة الأطفال ، ومن الناحية الحقوقية لايوجد أي مبرر ولا أي مسوق في أي نوع من أنواع التعليم بالقيام بضرب الأطفال والتنكيل بهم وروح العلم منافية لذلك
ومن الضروري إيلاء اهتمام من الحقوقيين لهذه المسألة خاصة في التعليم الأساسي والتعليم المحظري ، غير ذلك نحن نعمل على تهيئة جيل من الإرهابيين ومستخدمي العنف كالسلاح “

مايرى فيه شيخ المحظرة محمد الولي ولد المصطف إيجابية للطالب في التحصيل العلمي ، يراه طلاب محظريون سابقون نوعا من الترهيب والتعذيب الجسدي كما هو حال الخليل ولد محمد إعلِ (28) الذي يبدأ حديثه معنا بتذكر أيام المحظرة بمنطقة محاذية لواد الناقة “كنت حينها في التاسعة حين اصطحبني والدي إلى شيخ بقرية(…..) لحفظ القرآن وبعض المتون ، بدأت الدراسة مع قرابة 20 طفلا ،كنا نتعرض للضرب أحيانا على يد شيخنا لم أكن من الذين يضربون دوما ، لكنني أتذكر جيدا أحد الطلبة الذي يكبرنا بأعوام كان يقيد بسلسلة ويبقى ساعات تحت الشمس وكانت الفترة فترة صيف مع هذا كان يتعرض لضرب مبرح حتى تقرح جسده أحيانا …. كان ذلك مرعبا بالنسبة لنا كصبية ، كنا نحاول تجنب غضب الشيخ كما أذكر أن ذلك المراهق لم يكمل دراسته ولم يحفظ القرآن بل تمكن من الفرار تحت جنح الظلام ولم نعثر عليه ولم نسمع عنه بعدها “

تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا
تقرير : عبد الله علي

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية