الريادة

يوم بلامعاوية ……

الريادة / شمس الثالث من اغشت الحارقة أيقظتني وأنا النائم على سطح بيت أهل محمدفال ولد سيدي قرب كتيبة المدرعات..أنزل السلالم ناعسا متثاقلا ليخبرني أحدهم بأن انقلابا ينفذ للتو..خرجت قبل شهرين من سجن روصو ومازلت وقتها غاضبا ناقما..قطعت الشارع سيرا ولما أشرب شاي الصباح لكنني دخنت لفافة تبغ منهكة مبللة أخرجتها من جيب قميصي..دخلت على حنفي في بيت آل دهاه غرب الكتيبة وجلست على مائدة فطور الوالدة “اندي آمي” حفظها الله ثم بدأت بترتيب الأحداث على قهوة وهلاليات..لاحظت أن “عمداء” الصحافة الموريتانية يتحدثون للجزيرة على التوالي لكن بحذر، فلم يفصحوا عن اسم أو وسم ولم يؤكدوا غي خبر..اتصلت بالزميل محمد محمود ولد بكار وبآخرين لأتأكد من الأسماء والوقائع،ثم اتصلت بصديقي أحمد كامل مدير مكتب الجزيرة بابروكسيل الذي ربطني فورا بمنسق الضيوف في القناة القطرية، وتحدثت في النشرة الموالية لأخبرهم عن القائدين اعلي وعزيز وغيرهما ثم أكدت تحكم الانقلابيين وسيطرتهم على الوضع،وفي النشرة الموالية تحدثوا معي، اذ اكتشفوا انني-ربما لتهوري- لا أكترث وألفظ الأسماء والمعلومات دون تردد أو خوف حيث أكدت لهم مرة أخرى استتباب الأمر للانقلابيين، وبعدها بساعات تبرع لنا أحد سكان بيت حنفي بجولة في سيارته لاستكناه بقية المشهد، وأذكر كيف مررنا من أمام مقر الحزب الحاكم، فوجدناه بائسا حزينا وأمامه أشخاص يعدون على أصابع اليد..بادرني زميلي عبد الباقي:محمودي، لقد جنيت على نفسك فالرئيس في الجو وستهبط طائرته بعد قليل وأنت ادعيت أن الانقلاب ناجح. – ههه، لايهم، قلت ماأعتقد أنه صحيح كخبر وليس كتحليل ثم ان الرئيس يعرف من كلامي ماهو أشد. خرجت الجموع بعدها بساعات واحتفل أنصاره برحيله تماما كمعارضيه، وبتنا أول ليلة بلامعاوية..نظريا كنت أنتظر أن تتحول البلاد الى جنة من جنان الله وأن يغادرنا رجال نظامه وأن يبعث الله جيلا من الشرفاء..لم يحدث شيئ من ذلك، وانما اكتشفت بعد أسابيع كم هي قوية الطبقة الحاكمة التي لاتغير الا رئيسها وبانقلاب عادة. بعد مايقرب من عقدين على ذهاب الرجل أيقنت أن معاوية لم يختلف عن اللاحقين الا في أسلوبه كرجل سلطة، وفي ملفات حقوق الانسان التي اشترك معه فيها جميع من ساسوا هذه البلاد..بعد معاوية وما آلت اليه الأمور تشكلت لدي القناعة بنسبية الأمور والحياة والتحليل..والغريب أنه وفي ذكرى اليوم الذي خرج فيه من السلطة، رأيت نفس الأشخاص الذين عبدوه يوما يعبدون شخصا آخر له خوار، ويلعنون آلهتهم الأخيرة التي صرفوا عنها النظر.. وأذكر الآن كيف كانوا مع الطيبين اعلي رحمه الله، وسيدي رحمه الله هو الآخر، هذا الرجل الذي عبدوه لأيام قبل أن يكتشفوا أن حراس الآلهة أقوى من الآلهة نفسها..مات الحزب الجمهوري في قلوب مناضليه خلال ساعات باستثناء اقريني ولد محمد فال ومنتات منت حديد وقلة من المناضلين، ثم مات حزب عادل ومات حزب عزيز قبل أن يقرر الساسة أن قتل عزيز وليس حزبه يكفي لمحو آثار جرائمهم الكثيرة..سامحت معاوية الذي سجنني مرات عديدة وصادر مقالاتي وأفكاري على تواضعها، وسامحت عزيزا الذي أساء تدبير حياتي، لكن هل يسامح أصحاب الحقوق الكبيرة جميع الرؤساء؟ أصحاب الحقوق أولى وأحق بالعفو من عدمه..ووحدهم يملكون ذلك الحق في قضاياهم. لا أعرف حقا..ما أعرفه هو أنني سامحت في الذي يعنيني لأن الرجلين تحملا اليوم لوحدهما أوزار وجرائم آخرين هم أخطر أعداء الوطن، فالرجلان تم تحييدهما وجرائمهما لا يمكن أن تزيد الآن على الأقل أما الشركاء المؤمنون المتمترسون بالبعد من الكرسي فهؤلاء باقون ويتمططون ويولدون من جديد في أولادهم وأحفادهم ولا أحد منهم يقبل أن يكون الرئيس، اذ الرئيس كبش فداء محتمل لكل عشرية أو عشرينية أما من يقتلون وينهبون ويدمرون البلد ويقتلون الأمل بحياة أفضل للجميع وبالتساوي فهم الخالدون كوقود للمبادرات المرسخة والمكرسة لحكم من يأتي بعده. أكرههم لكنني أشفق عليهم من بركان خامد يغطونه بالزرابي وتدجين الشعب واستغفاله..فيوما من الأيام سيثور هذا البركان.

الصحفي والكاتب / محمد الامين ولد محمودي

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية