الريادة

لقد تغيرنا فكل شيء ماعدى إسمنا ومكاننا !!!

لقد كان المجتمع الموريتاني في الماضي عندما كان يعيش على طبائعه الصحراوية والريفية غير الملوثة بالخلاعة والميوعة الغربية نظيفا بسيطا مشبعا بروح الصبر و القناعة وصفاء الروح والإيمان بقيم النبل والأثار، وشيم الرجولة والشجاعة والكرم والاستعداد غير المحدود لبذل الأرواح وإعطاء كلما يملكون في سبيل دينهم وعرضهم وشرفهم ، ونتيجة تمسكهم بدينهم وقيمه ومثله العليا انقذوا إخوتهم الاندلس من ضياع محقق أمام غزات متفوقين ،وأقامو مراكش في المغرب الاقصى وقوموا الأمور في مابين تيمبكتو ونهر صنهاجة وبين اغليميم في المغرب وكنبي صالح و(كرطا) في مالي!!!
  وقد بدأ تغير العقلية والسلوك اللذين كانا يطبعان منظومة القيم النبيلة للمجتمع الصحراوي والزراعي الموريتاني  عند الاختلاط بالمستعمر الفرنسي وجهازه من مترجمين وجنود أجانب ومجندين محليين(غوميا)  في أول بداية التعامل مع المستعمر بدأ أول إرهاص لبداية التأثير على نقاء وطهر وعذرية نفسية المجتمع الموريتاني ، لقد شكل تعاون شيوخ القبائل ومعاونيهم مع جهاز الاستعمار من مترجمين وجنود أجانب ومن مجندين محليين (غوميا) بدأ هذا التماس والتفاعل يؤثر شيئا فشيئا على حصون القيم المنيعة للمجتمع الصحراوي ،وذلك من خلال تكوين الروابط مع فئات المجتمع المختلفة وجهاء وعلماء وشعراء وفنانين، وإقامة علاقات اجتماعية متعددة ومتنوعة الأشكال تضمنت الزيجات المشتركة والعلاقات المتنوعة بما فيها غير الشرعية ، وشيوع التعامل بالنقود وتلبية الحاجيات والأدوات الكمالية التي تعود عليها جزء من السكان حتى أصبحت حاجات طبيعية مطلوب تلبيتها ، وبدأت  عادات الإغراء المادي وتبادل المنافع بين الشيوخ ومحيطهم وأعوانهم  والمترجمين ،ومسؤلي الاستعمار وعمالهم ومحيطهم.
لقد كان الاختلاط بين المستعمر ومترجميه وأعوانه وجنوده والشيوخ وأعوانهم ومحيطهم هو البداية الفعلية لاختراق الحصون القيمية التي كانت تتمترس في عمق الإيمان بقيم الإسلام وبالقناعة والصبر كثابتين، فكان أول اختراق للمناعة التي كانت تشكل الحماية المتينة لقيم المجتمع الموريتاني وثوابته.
لقد ساهم ضعف إقبال المجتمع على التمدرس في المدارس الاستعمارية على تباطئ اجتياح قيم وثوابت المجتمع رغم ماتحقق من تغيرات لم تكن مألوفة، وعند ذهاب الاستعمار وقيام الدولة الوطنية تم الاعتماد لقيام الإدارة الجديدة التي حلت محل الاستعمار ، على القوة التي كان يعتمد عليها الاستعمار كشيوخ القبائل ومحيطهم ومعاونيهم وكجهاز الإدارة السابق المكون من المترجمين والكتبة وأعوان المستعمر، من الجنود الأجانب والمجندين المحليين الذين كانوا يعملون مع المستعمر، لقد كان قيام الدولة بمثابة اختراق كبير للأسس التي كان يقوم عليها المجتمع وتبديلها بأسس جديدة بعضها مغايرة كلية للأسس القديمة أو آخذة منها وتاركة بحيث فتحت المجال للتغيير في العقلية ليس لوضع قيم إنسانية ذات قيمة ونفع مؤكدان، مثل حب النظام ورفض التقليد الأعمى وتنمية الفضول والبحث عن المفيد والعمل للتقدم والبناء ؛ وإنما كان  التغيير الذي طرأ تغيير للأسس والقيم السامية للمجتمع التي يشكل المساس بها ضررا يصعب علاجه ، فتم الأنتقاص من القناعة ،والتخلي عن الصبر والمثابرة والطموح واستمر الوضع منذ الاستقلال يسير بشكل وئيد في انحدار مستمر ،ولم يحل عهد نظام الرئيس المختار بن داداه ورفاقه المتسمين بالعقلانية والحكمة أن يمنعوا هذا التدهور لكنهم حدوا من سرعته  !!!
وعند  انقلاب ١٠ يوليو ١٩٧٨ حدثت قفزة هائلة في طريق الانحلال والتخلي عن كل الأسس القيمية التي شكلت روح هذ الشعب الكريم الشجاع والصبور، لقد ساد في عهد الأحكام العسكرية المتتالية التخلي عن كل القيم النبيلة وحل الفساد، والضعف والنفاق والانحلال الخلقي بكل صنوفه وأصبح التمسك بالمثل العليا من أصعب ما يمكن فعله بل أقرب إلى الأستحالة !!!
ولقد شكلت بداية النشاطات الديمقراطية عند انتخابات ١٩٨٦ البلدية طفرة جديدة في فساد عقل وروح المواطن وجعلته تلك الانتخابات بضاعة للبيع والشراء، لقد استخدم المال في هذه الانتخابات بشكل لم يسبق له مثيل وصار أسلوب انتخابات ١٩٨٦ قاعدة افسدت روح الشعب وجعلت الانتخابات التي حدثت بعد ذلك  عبارة عن سوق نخاسة كبير يباع فيه المواطنون ويشترون بلا تحفظ وبلا حياء ، لقد فسد عقل المواطن وصار الانتخاب فرصة لإنفاق غير محدود، فساد المفسدون واللصوص فكانوا هم الناجحون في كل الانتخابات فزاد تدني الأخلاق واستمر الوضع يتدهور دون توقف، وفي نفس الوقت ساد المجتمع التخلي شيئا فشيئا عن كل القيم ،وصار المال هو السيد فمن يملك المال يملك القوة ولديه الحق في تجاوز كل الخطوط الحمر والخضر والصفر ، فالمال هو السيد وهو المتميز ولم يبقى يهم اعتبار حلية المال وطيب مصدره فأصبح المال من المخدرات ومن سرقة المال العام ومن أي مصدر مطلوب ولايهم مصدره الكل يسرق جهارا نهارا والكل يدعم السراق جهارا نهارا، تقوم كل الانتخابات على البيع والشراء وتقام الزعامات على تملك المال بأي وجه من الوجوه، وصار بذلك المجتمع الموريتاني  رهينة وضع تحلل أهله من كل القيم واستراحوا من كل الموانع والمحددات..
لقد كان وضع البلد لايطاق بسبب ما بلغ من فساد العقول وسوء السلوك وكان الجميع يبحثون عن وسيلة لوقف التدهور وتجنب الأسوء،فجاءت انتخابات ١٣ مايو٢٠٢٣ فشكلت أكبر قفزة وطفرة وتطور  في الطريق غير الصح السائر بنا للتخلي عن آخر مايربطنا بديننا وإنسانيتنا وبشريتنا، إن ما جرى في هذه الانتخابات شكل حالة تنذر بأبشع العواقب إذا لم يفطن المسؤولون والعقلاء إلى الذي جرى إن الوضع الذي أوصلتنا إليه ذه الانتخابات قد جعلنا كائنات بلا عناوين ولا مساكن وبلا أماكن تحدد تواجدنا وتوزعنا في المدن والمناطق المختلفة، فأصبحنا ننتخب مسؤولي جغني بسكان توجنين و كيفه بأهل انواذيبو وأصبح أهل تفرق زينة يخضعون لأصوات سكان عرفات وهكذا اختلطت الأمور وتغيرت كل المعايير، فأصبح الثابت هو الدولة ومن يدعمها بصدق أو كذب ببطاقة صحيحة أو كاذبة بساكن المكان المعني أو بساكن مكان آخر،  الصحيح أن النقود تتحول نوابا وعمدا ورؤساء جهات ،وأن حجم الجماهير لايفيد قد لاينتخب وقد ينتخب ولايحتسب وقد يبقى الصوت في صنادقه لايعلم عنه شيئا لقد بدأنا في هذه الانتخابات مرحلة من السوء ومن الغرابة ومن العبث بحيث لايمكن توقع أكثر مما جرى وأكثر مما كان من  التلاعب ،شيء واحد نتفق عليه وهو اننا لانعلم  هل سنبقى حتى نصل إلى مرحلة أخرى ننتخب فيها؟ وإذا بقينا ووصلنا هذه المرحلة  فهل سننتخب وكيف سيكون حالنا بعد تلك الانتخابات إذا استمرينا نتابع هذا الذي بدأنا؟!

التراد بن سيدي

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية