الاتحاد الافريقي وازدواجية المعايير


“ازدواجية معايير تعامل الاتحاد الإفريقي مع كيانات الانفصال، تهدد سيادة الدول وتفاقم النزاعات الإقليمية المفتعلة وتهدد السلم الاجتماعي بالقارة”
رفض الاتحاد الإفريقي اعتراف إسرائيل بانفصال أرض الصومال، يؤكد تشبث المنظمة بمبدأ وحدة وسيادة الدول الأعضاء، وهو ما يتشبت به رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الذي قال بأن أي اعتراف بكيانات انفصالية داخل بلد عضو يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار القارة ويفتح الباب أمام سوابق خطيرة قد تُستغل في مناطق أخرى من إفريقيا.
إلا أن هذا القرار يضع الاتحاد القاري أمام حرج سياسي تاريخي، وورطة أخلاقية فضيعة، حين يقبل وجود كيان انفصالي غير معترف به أمميا مثل البوليساريو. الأمر الذي يدفع العديد من المراقبين لاتهام الاتحاد الإفريقي بازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا القارة. حيث يدافع الاتحاد عن وحدة بعض الدول بينما يدعم حضور كيان انفصالي آخر يهدد السلم الاجتماعي في بلدان أخرى.
ومع ظهور حركات انفصالية جديدة بإفريقيا، وجدت المنظمة الإفريقية نفسها أمام اختبار صعب، إما قبول الحركات الانفصالية الجديدة او تصحيح خطأ سياسي تاريخي وطرد البوليساريو من الاتحاد، حتى لا يجد الاتحاد نفسه غير قادر على لعب دور توافقي في حل الأزمات القارية.
إذ يعتبر تجديد الاتحاد الإفريقي التشبث بوحدة أراضي الدول الأعضاء ورفضه اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، لا ينسجم مع سياسة قبول البوليساريو في هياكل الاتحاد، مما يعكس سياسة الكيل بمكيالين بخصوص المبادئ التي يستند إليها.
الأمر الذي يوضح جليا أن المنظمة الإفريقية لم تتعامل مع قضية الأقاليم الجنوبية المغربية، كاختبار متعلق بسلامة الأراضي المغربية، بل انجرف خلف دعم مشروع انفصالي مدعوم من الجزائر، رغم ما يشكله الأمر من تهديد للفوضى وعدم الاستقرار في شمال افريقيا ومنطقة الساحل. تناقض الاتحاد يعكس تعاملا انتقائيا مع مبادئ القانون الدولي، ويؤكد خطأه التاريخي. ويجر الجزائر نحو مساءلة تاريخية حيث الدفاع عن سلامة أراضيها داخليا، مقابل سعيها لدعم ميليشيات انفصالية لتقسيم دول الجوار.
وفي ظل تفاقم النزاعات والصراعات فإن المسؤولية القانونية للاتحاد الإفريقي تقتضي اليوم، قيامه بدوره الفعال في فض النزاعات الإقليمية عبر الآليات التي يتيحها ميثاقه وأجهزته، لفرض السلم ورفض الانقلابات ومنع التدخلات الأجنبية ومنع تشكيل أي ميليشات انفصالية، مما يعزز الحلول السلمية واستقرار بلدان القارة وضمان مستقبل أفضل لشعوبها.
كما أن تعددية بؤر التوتر في القارة تطرح عدة تساؤلات جوهرية حول فعالية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي ومدى قدرته على حل هذه النزاعات، كالحرب في السودان والتوتر في مالي والصومال ومناطق إفريقية أخرى. إن رفض الاتحاد قرار إسرائيل، بدعوى حماية وحدة أراضي الدول الأعضاء، يضعها أمام مساءلة قانونية حين يتعلق الأمر بكيانات انفصالية أخرى، حول متى وأين يعتبر الاتحاد أن سيادة الدول الأعضاء خط أحمر لا يقبل المساس بها؟
إن دفاع الاتحاد عن وحدة دولة باسم الميثاق ذاته، ومساندة تقسيم دول أخرى، يدخله في تناقضات تثير إشكالات حول المرجعية القانونية لآليات تسيير المنظمة، التي دعونا مرارا لمراجعة جذرية لأجهزتها وهياكلها لاستعادة فعاليتها في مواجهة النزاعات والتهديدات المتنامية بالقارة في خضم صراعات جيوسياسية جديدة، وتوجيه عملها نحو بناء مستقبل قاري مشترك قائم على تجاوز أخطاء الماضي وخدمة مستقبل الشعوب الإفريقية كافة وبدون استثناء.

بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
المختص في الشؤون العربية والإفريقية