
إن الامر الذى يقلقنى أكثر من أي امر آخر ويحيرنى فى نفس الوقت ولم أجد له تفسيرا هو أن عقول هذ الجيل من الموريتانيين تتشابه بغض النظر عن اختلاف علمهم ومعلوماتهم وجمعهم وحفظهم، لايختلف العالم فينا عن الأمي و لايختلف المثقف عن قليلى الإدراك ،فجميع الموريتانيين يقبلون العيش فى نظام قبلي تراتبي ، بقيمه ومقاييسه وتباينه ،العالم والمثقف والجاهل والانسان البسيط فى مداركه ، كلهم متساوون فى قبول الواقع والرضى به ،واستغلاله والاستفادة مما يوفر من تميز ،!!!
إن الحكام وجمهورهم وانصارهم والمعارضين والمناوئين لم تتباين مواقفهم ،إلا بكلمات لم تقترن بجهد له قيمة،..
لقد عرفنا فى موريتانيا مختلف النظريات والاتجاهات السياسية عرفنا الماركسية بعمق ودرسنا كل ماكتب ماركس و رفيقه اغلز و ما كتب لنين ، وماو تسيكونغ ،واتشى غيفارا ، وأنتمت أجيال منا للماوية ولليسار الجديد اتروتسكية وغيرها واطلعنا على الافكار الليبرالية ومدارسها المختلفة، وانتمى الكثير منا للناصرية وللبعثية لكننا لم نتأثر إلا بتاثيرات شكلية وسطحية فظل الجميع او الاكثرية الساحقة من يساريين وقوميين قبليين ، عبوديين تمييزيين ،لايعارضون أساسيات الفكر القبلى العبودى يقبلون إقصاء لحراطين واحتقار لمعلمين وإگاون ولا يعتروضون إلا باقوال ضعيفة لاتتسم بالقطع والحسم ،بحيث تمثل موقفا قادرا على التاثير.
فقد ظلت القوة التقدمية والقومية ، رغم شعارات بعضهم وخطابهم وسردياتهم ظلوا جميعهم إذا شئنا الصراحة يسيرون مطمئنين مرتاحين فى نظام اللامساواة واللاعقلاني واللاإنساني ، ولم يكن موقف العلماء احسن ،و يحكم عالم بعلمه ويفتى بعدم شرعية النظرة الدونية واستعباد الأحرار ، ولم يستخدم المثقفون مااكتسبوه من تجربة و معرفة وفلسفة ونظريات سوسيولوجية او إديولوجية، فبقوا كلهم او جلهم يتعاملون بافكار تراتبية ترفع وتخفض تميز وتحتقر ،لافرق يين عالم اوجاهل وبين ثوري ورجعي وظل الجميع صامتين عن امتناع ابناء المكون العربي ذو البشرة البيضاء عن ممارسة الكثير من الاعمال ،رغم إضرار هذ الموقف بوضع البلاد وإتاحة الفرصة به للاجانب لأخذ المليارات من نقود شعب فقير لكنه جاهل وتائه سكانه منفصلين عن الواقع يتعاملون بمالا يمكن فهمه بعقول وسلوكيات حيوانية !!!
واغرب امر رأيناه ان مناهضة التهميش والإقصاء ومظاهر التمييز لم تترك للسلطة الحاكمة بالتحالفات الإقطاعية الرجعية ، إنما تمت مجابهة قوى الحرية والانعتاق من جميع القوى السياسية والعلمية والثقافية فى البلد ،ولولا موقفين أحدهما لقادة ناصريين وقفوا موقفا تارخيا بالانضمام للاتحاد الشعبى التقدمى برئاسة القائد الكبير مسعود ولد بالخير .والثانى موقفا لحزب الصواب بقيادة عبد السلام بن حرمة ورفاقه الذين قدموا للحرية والعدالة موقفا لن ينسى بموقفهم مع الزعيم المتميز بيرام وحركة “إيرا” الانعتاقية !!!
إن هذين الموقفين للناصرين وللبعثيين رغم اهميتهما لايستطيعان علاج مواقف الاكثرية التى لاتزال تحارب الانعتاق وإنهاء أمراض المجتمع ، غير مدركين ان عدم المساواة يشكل حكما بالإعدام على الوطن الذى يعتبروه وطنا لهم هم وحدهم ،فعندما تصل الأمور إلى الأنفجار لن يبقى وطن يمارسون فيه عنصريتهم وغباءهم الذى يكاد ينهى هذ الوطن الجميل!!!
التراد سيدى




