الريادة

مَشْهدٌ سِياسٌي: من حَائِرٍ إلى غامِضٍ – محمد يحيي ولد العبقري



في مقال سابق نبّهْتُ إلى الحيرة في المشهد السياسي عندنا في مقال بعنوان: مشهدٌ سياسيٌ حائرٌ.
وقد تمثلت الحيرة في التناغم الحاصل بين المعارضة والموافقة حيث لم يعد بإمكان المُتَفَطّنِ أن يُمَيِزَ بينهما .
و يتخيّلُ للمتتبِّع أنهما وبتفاهم يتبادلان الأدوار لتصبح المعارضة موافقة وتكون المعارضة من نصيب الأغلبية أو أن كلاهما يتقبل الآخر دون تنافس وهم في الشيء العام سواء.
كما أن أطياف المعارضة الآخرين بالنظر إلى المناخ الحالي وبترددهم علي القصر الرئاسي يتركون الانطباع عن تخليهم عن النضال ومناهضة الحكّام.
فمن قواعد السياسة أن المعارضة موقفٌ دائمٌ ينتهي باستلامِ السّلطة وهو ما شاهدناه في فرنسا مع جاك شيراك وفي السنغال مع عبد الله واد وغيرهم من من تابعوا وصبروا وظفروا.
فالأحزاب السياسية تعمل ضمن برامج اجتماعية واقتصادية تقدمها للناخب ليختارَ من بينها ولتكون المعارضة نصيبَ من يخسَرُ الاقتراع كما تقدم.
ولأن البرامج تلك غير موحدة بالضرورة لا يكون من المألوف حصولُ اندماجٍ بينها اللّهم إن أقيمتْ مؤتمراتٌ يتم فيها التخلي عن بعض المواد وتعديل الأنظمة الداخلية لأجل التوافق علي رؤية فى زمن محدود مطبوعٍ بظرفية معينة.
وقد جرت العادة هنا بأن الأغلبية بالإضافة إلي الانتماء للحزب الحاكم تتحدَدُ فعليا في مظاهر الصّخَبِ الزائدِ والظهور العلني الدّائم في ثوب المدافع عن النظام وعن أزليته في الحكم لعليَّةِ الحفاظ على المصلحة العامة.
وقد علمتنا التجربة أن تلك المظاهر خدّاعة وأن أهلَها لا يتخلّون عنها فقط بل يتحوّل ودُّهم مع تحوّل النعْماء.
هكذا تتم الأشياء عندنا على مرْأى ومسمع من الجميع إن لم يكن بمباركةٍ فبسكوتٍ تام ما جعل المبادئ تغيب في موريتانيا وتنعدم عند الناس حاسّةُ معرفة أين تتجه الأمورُ.
كأن من هو في الأغلبية محكومٌ عليه بمولاة الحاكم أيًا كان ,فهل إذا نجحت المعارضة في الاستحقاقات -وهو أمر بعيدٌ-يتحوّل إليها المنتمون للأغلبية بدعوى أنهم ما كانوا مع الرئيس إلا لكونه في الحكم؟
أم أن هؤلاء يتبنون مقولة أن الغموض عنصرٌ أساسيٌ في اللعبة السياسية ومثله التمويه وأنه لا مهْرَبَ منهما .
فإذا كانت السياسة تتطلب الغموض فإنه علي النخبة السياسية أن تعيَ أن الإفراط فيه يجلب الرفضَ والاستعصاء السياسي.
أما الأسئلة الوجيهة فهي :من هم المعارضون اليوم ومن تكون الأغلبية؟
لا أعتقد بل لا أثق في قدرة أي منا على الإجابة الدقيقة على هذه الأسئلة رغم كونها واضحة ولا تحمل أيّ وجه فلسفي لكن الواقع هو هذا.
لا شك أننا وتحت ضغط الحال السياسي مقبِلونَ علي عديدِ التغيّرات ومن مسؤولية النخبة السياسية أن تأخذ علما بأن هذا التلاعب في المواقف بالإضافة إلى كونه يُحْدِثُ استعداءَ النّاخب لا يخدم بأي حالٍ البلدَ ونموّه.
إن المتعة في اللعبة السياسية تتحقّق مع وضوح الرّؤية وتشكّل معارضة وطنية تقوم بدورها إلي جانب الأغلبية بحيث تكون مصلحة البلاد فوق كلّ اعتبار.
أدام الله عافيته على الجميع…

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية