الريادة

النسوية Féminism..الآفاق والجذور الفلسفية !

النسوية Féminism..الآفاق والجذور الفلسفية !

بقلم : محمد بن عبدالله الشنقيطي

مصطلح النسوية Féminisme يأتي من الكلمة “la femelle : والتي تعني المؤنث , أو الأثنى
أما الترجمة العربية لها فتأتي من كلمة “النسوية” والأنثوية ، وهي بالنسبة لمجموعة الإناث.
والفكرة المركزية لدى النسوية تدور حول المساواة بين الرجل والمرأة ، مع تفصيلٍ في ذلك سأعود إليه لاحقاً .
ودلالات المفهوم ليس هناك اتفاق على تحديده ، بسبب تطور وتمدد المفهوم وعدم ثباته وتنوع التيارات التي احتضنت المفهوم وطوّعته لمصلحتها عبر الزمن؛ لكنَّ أغلب التعاريف تدور وتتمحور حول نصرة حقوق المرأة ومراجعة النظم الاجتماعية السائدة وتعديلها أو إلغائها لرفع الظلم عنها ومساواتها بالرجل.
ومن المهم الوعي بتباين مفهوم النسوية بين التيارات الفكرية التي حملت شعار تحرير المرأة ومركزيتها في الفكر الغربي كالتيار الليبرالي والماركسي، فعند الليبراليين تعني النسوية المناداة بالمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين، ونبذ اعتقاد المجتمع أن قدرة النساء العقلية والجسدية بحكم طبيعتهن أقل من قدرة الرجل، بينما النسوية في الفكر الماركسي القائم على الإلحاد وصراع الطبقات هي: النضال لإدماج النساء في سوق العمل ومشاركتهن في الصراع الطبقي لقلب النظام الرأسمالي!
وبين هذا وذاك ظهر تيار نسوي من نوع آخر اكثر تطرفاً وغلواً في شأن المرأة وهو ما يسمى بالاتجاه الراديكالي الذي يعتقد أن النظام الأبوي -والذي يقصد به تحكم رجل بالعائلة أو المؤسسة أو الدولة- هو المحور الذي يتحكم بعلاقات الرجال بالنساء، وأنه لا بد من هدم وتدمير هذا النظام الأبوي لإعادة تملك النساء لأجسادهن والتصرف بها، وتصبح النسوية حينها هي العمل بالقوة على إزالة الهيمنة عن المرأة.
وبذلك يتضح أن النسوية هي حركة سياسية اجتماعية ظهرت في الغرب للمطالبة بحقوق المرأة، وأنها تعتمد على نظرية وفلسفة جديدة تجاه اللغة والأدب والتاريخ والأخلاق والمعرفة لأنها تنبذ الرؤية الذكورية التي شكلت تلك الأمور – فيما تدعي- ، وتَتعدَّدُ نقاطها المركزية بحسب تعدد تياراتها، فبعضها تركز على طلب المساواة بين الجنسين في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبعضها يشتط للمساواة التامة على كل الأصعدة، وبعضها يدعو للتمركز حول الأنثى، وبعضها يشطح بالدعوة للاستغناء الكامل عن الرجال.

الموجات النسوية :

يؤرخ عدد من الباحثين لبدايات النسوية في القرن التاسع عشر ضمن الموجة النسوية الأولى والتي بدأت بالمطالبة بالحقوق الأولية كحق التملك وحق التعليم وحق العمل وغيرها وإبراز بعض ألوان الظلم الذي تتعرض له المرأة وانتقادات للنظرة الدونية للأنوثة لدى الغرب المتأثرة بالخطاب الكنسي و نصوص الإنجيل، وأطروحات بعض الفلاسفة. وضمن سياقات تاريخية معينة وإعلاء لقيم الحرية المطلقة والليبرالية التي استغلتها هذه الحركات للدعوة لتحرير المرأة الكامل وإشراكها في التيار الرئيسي للمجتمع بأن تحصل على كل امتيازاته وتتولى كل مسؤولياته بالمشاركة الكاملة مع الرجل، تزامن مع تطور للأطروحات النظرية التي أخذت في معالجة مفهوم المرأة والأنوثة وأنها لا تولد امرأة بل تصبح كذلك، بسبب التوجيه المجتمعي الذي يدفعها للخضوع والاستسلام على حد تعبير سيمون دي بوفوار إحدى أبرز رائدات الحركة النسوية. [1]

الموجة الثانية بدأت في الستينات من القرن العشرية ، وكانت مُختلفة بشكلٍ كبير عن الموجة الأولى التي كانت تطالب فقط بالحقوق القانونية والسياسية ، فنساء الموجة الثانية صاروا أكثر تنوعاً عِرقياً وطبقياً ، ومن ثمَّ زادت عولمة النسوية وبدأت تزداد أفكار جديدة من قبيل أن المجتمعات ذكورية ، وأن هذه الذكورية تبدأ من الأسرة وبالتالي هي السبب الأساسي في إضعاف المرأة ويجب التخلص منها ( أي الأسرة) !
وظهرت كذلك فِكرةُ المطالبة بالحرية الجنسية الكاملة للمرأة باعتبارها حُرّة في جسدها ، بالإضافة إلى المطالبة بالأجر المتساوي للرجال ..ومثل هذه الافكار.
هذه الموجة الثانية كانت تميل إلى اليسار السياسي وتفرَّع عنها عدد كبير من الحركات النسوية وبمراحل متعددة كالنسوية الماركسية والنسوية الراديكالية والنسوية الليبرالية وغيرها..
أما الموجة الثالثة من النسوية بلغت ذروتها في التسعينيات وتأثرت كثيراً بأفكار ما بعد الحداثة ، وبدأت تنشر وبقوة مفاهيم كانت موجودة سابقاً مثل النوع الاجتماعي وكون الإنسان رجل أو أنثى ليس موضوعاً بيولوجياً مُطلقاً ، فانتقلت النسوية من المطالبة بالمساواة مع الرجل إلى فِكرة أنه ليس هناك رجل أو امرأة ، ولكننا نحن البشر من يُحدد من خلال سردياتنا من هو الرجل؟ ومن هي المرأة؟ ومن هو المتحول جنسيا؟ أو العابر للجنس وغير ذلك ..

وهكذا تحولت النسوية من رؤية إنسانية لإنصاف المراة والرفع من مستواها ومساواتها مع الرجل إلى رؤية كونية كغيرها من الفلسفات الغربية بعد جملةٍ من التطورات غيّرت من توجُّهها وبُنيتها ، إذ تصاعدت مُعدلات الترشيد المادي للمجتمع ، وصار العمل على إعادة صياغتِه وصياغة الإنسان ذاته في ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية ( وهو عنصر أساسي في منظومة الحداثة وما بعد الحداثة الغربية) ، وزاد معه تسلُّع الإنسان وتشيأتُه..!
مما يعني تغييراً جذريا لمركزية الإنسان في التصور الغربي على ان تحل السلع والأشياء محله.
الأمر الذي أدى إلى تزايد هيمنة القيم المادية “البرانية” كما يقول المسيري، مثل الكفاءة في العمل في الحياة العامة ( كدور المرأة العاملة) مع إهمال الحياة الخاصة ( كدور المرأة الأم المُربية والزوجة الحاضنة) ! [2]
فصارت النتيجة :

  • الاهتمام بالإنتاجية والعمران المادي على حساب القيم الأخلاقية والاجتماعية الأساسية مثل تماسُك الأسرة وضرورة توفير الطمأنينة للأطفال!
  • اقتحام الدولة ووسائل الإعلام وقطاع اللذّة لمجال الحياة الخاصة..!
  • إسقاط أهمية الإحساس بالأمن النفسي الداخلي.
  • إسقاط أهمية فِكرة المعنى والقيم الدينية باعتبارها ليست كمية أو مادية…

وفي المقالات القادمة إن شاءالله تعالى نتعرض لبعض الأطروحات الفِكرية للنسوية ونضعها ونحللها في ميزان الشرع الحنيف بإذن الله تعالى
والله وليُّ التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله


[1] : كتاب [ النسوية وما بعد النسوية، ص64
للباحثة سارة جامبل

[2] : كتاب [ قضية المرأة بين التحرير..والتمركز حول الأنثى،ص17/57 ]
د.عبد الوهاب المسيري

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية