الريادة

فيلم سجل أنا عربي لابتسام المراعنة: محاولة “لغسيل الخطايا”

فيلم سجل أنا عربي

“سجل أنا عربي”، هي مطلع قصيدة بطاقة هوية لمحمود درويش،والتي جعلتها ابتسام مراعنة عنواناً لفيلمها الوثائقي أو التسجيلي،وهذه التسجيلية هي إثبات بغرض النفي،فعلى امتداد الفيلم تجهد ابتسام في إثبات العكس،أي تخلي ٌ”محمود عن هذه القصيدة،وتنكره لها،و”شخطته الغاضبة في جمهور دمشق حين طالبوه بإلقائها،وتصريحه فيما بعد أنها مرحلة شعرية تجاوزها هو شخصياً،ابتسام بالطبع تريد أن تقول”من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر كونها متزوجة من يهودي يدعى بوعز منوحين،ولذا فهي تمضي في جمع الوثائق والشهادات وعرضها،مركزة بؤرة الأحداث حول علاقة محمود درويش بتامير بن عامي،وهي صبية يهودية بولندية تعمل كراقصة،جمعتها بمحمود قصة حب حميمة،وقد رمز لها درويش في قصائده باسم ريتا، وكتب لها عدداً من القصائد الناضحة بالعاطفة والعشق أشهرها قصيدته المعروفة: بين ريتا وعيوني بندقية.

وابتسام في عرضها لم تحقق كشفاً،فقد تحدث سميح القاسم بتفصيل عن هذه العلاقة قبل أن تنتج ابتسام فيلمها بزمن طويل!

تمضي مراعنة في عرض تفاصيل حياة محمود من خلال عرض رسائله إلى تامير أو ريتا والتي كتبها بالعبرية،وهي حقيقة حرصت على وضعها تحت الضوء،ثم تعرض عدداً من اللقاءات لمحمود مع صحف عبرية،يبرز الفيلم من بينها تصريحه حول قصيدة:أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي،ليقول أن القصيدة ذات بعد إنساني ،وأن أي سجين يراوده مثل ذلك الشعور وذاك الحنين،وأن جمهور قرائه هو الذي يسجنها داخل المعاناة الفلسطينية ويمهرها بختم فلسطين،ويشم رائحة قهوة فلسطين وطعم خبزها،أي أن هذا الجمهور يخيل إليه أو يُشبّه له،فيختصر البعد الإنساني الذي أراد درويش أن يبرزه،ويحصره في البعد الوطني،حتى أن لقب شاعر المقاومة لا يستسيغه درويش كثيرا،وهي بالمناسبة تسمية أطلقها المرحوم غسان كنفاني،ولكن درويش يريد أن يحلق في البعد الإنساني،بعيداً عن الطبعات والأختام والماركات المسجلة،وتروي ابتسام كيف أنه كان يقرأ مع تامير قصائد ناظم حكمت وغارسيا لوركا،وأنهما تشاركا الافتتان بالأبعاد الإنسانية لهذين الشاعرين.

كإسرائلية تتطوع عامي في الجيش الإسرائيلي كمجندة ومن ثَمّ تكتب إلى درويش أنها لن تستطيع المضي في هذه العلاقة إلى غايتها،لأنها تشعر أن هويتها ستجرح،ويحدث شرخ في ولائها!

وسرعان ما تقع حرب حزيران١٩٦٧ ويصرح درويش من طرفه: تخيل حبيبتك المجندة تعتقل أختك وتعذبها،ليرفض لقائها في باريس بعد ذلك أي بعد مضي عشرين عاما على الحرب،ولكن بأمر من ياسر عرفات هذه المرة،وتذهب توسلات عامي عبثاً أمام الرفض الحاسم لدرويش!

طبعاً لم يفت ابتسام الإشارة في فيلمها أن إذاعة الحيش الإسرائيلي أذاعت قصيدة : سجل أنا عربي،وأن وزارة التغليم أو المعارف أدرجت ثلاثاً من قصائده في المنهاج،الأمر الذي أغضب الساسة الإسرائيليين،ولكن ابتسام تريد أن تقول أن هناك مساحة  مشتركة يمكن أن يتعايش عليها المحتل وموضوعه أو ضحيته،لو أفسحنا المجال  فقط للبعد الإنساني الذي نادى به محمود بصوت الشاعر!

ولا تفوتها أيضا الإشارة إلى أن محمود هو نفسه صاحب قصيدة : عابرون في كلام عابر التي أغضبت الإسرائيليين كثيراً ولكنّ محمود اعترف فيما بعد أنه كتبها في لخظة غضب وكما صرخ يوسي ساريد أيضا زاعماً أن درويش قال له أنه كتبها في لحظة غضب،وهذا ينسحب بدوره أيضاً على قصيدته: مديح الظل العالي!

يقول الدكتور فيصل دراح أن درويش أراد أن يلامس ما هو كوني في تعبيره عن قضيته ومحنته!

من جانبي أرى أن محمود أراد ذلك بالفعل،ولكنه اشتط في طلبه متجاوزاً كل سياقات الواقع وإملاءاته التي تثقل ضمير أي شاعر،ناهيك عن شاعر اضطره القهر والاضطهاد إلى الفرار من وطنه،وحتى ناظم حكمت سجل المعاناة والقهر محلقاً بإنسانيته فوقها،لا قافزاً عليها ومتجاوزاً لها وخير مثل على ذلك قصيدته” تارنتا بابو”،فهو لم يبريء المستعمر ولا منحه بطاقةً بيضاء بل سجل خطيئاته من خلال معاناةضحاياه معيراً إياها البعد الإنساني الذي نشده درويش ولم يدركه!

قصيدتاه اللتان أشار إليهما الفيلم: عابرون في كلامٍ عابر و: مديح الظل العالي هما الشهادتان الحقيقيتان،اللتان تنقضان كل محاولات التماهي العبثية والفرار إلى خارج دائرة المعاناة عبر بعد إنساني مزعوم!

مع ذلك فقد بلّغت مراعنة رسالتها عبر الفيلم: من اراد أن يقذفني فليقذف درويش،الرمز الكبير،فقد جمعتنا المحاولة على صعيد واحد،ولكنها نسيت أن تقول أن هذه المحاولات آلت إلى الهزيمة وتكسرت على صخور الواقع،فكتب درويش رائعتيه : عابرون ومديح الظل بينما لا تزال مراعنة نفسها تتسول الإعتراف من كلي الطرفين ،وهذه هي الغاية التي سعت إليها من خلال الفيلم الذي تكلفت عناء إنتاجه لتحصل على هذا الإعتراف العزيز!

أخبار ذات صلة

فيلم “الموريتاني” يعرض مساء اليوم على شاشات السينما العالمية

Bilal Aly

الفيلم السعودي ”قوارير” يحظى بتنويه خاص من لجنة تحكيم مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي

Bilal Aly

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية