لا خلاف على أن وضع الفساد في بلدنا منذ عقود وضعٌ صعبٌ ومُعقَّدُ بما لا يُقاس عليه. نحن أمام “فساد” يصنعه المجتمع ويحتضنه ويغذيه. تنشأ الآفة داخل المجتمع، ثم تصعد إلى الحكام، ثم تعود إلى المجتمع على شكل فتات وفضلات ورشاوى وذمم، إلخ.
لا يعقل وجود حاكم فاسد دون محكوم فاسد. وبالتالي لا يمكن أن تقع مسؤولية الفساد على الحاكم فحسب، كما يُردد البُسطاء، بل إن المحكوم يتحمل قِسطا من السببية، إن لم يكن أفدح؛ فإنه على الأقل، بِقَدر من الأهمية، بما يُمكِّن الحاكم من إحكام قبضته على الشأن العام، وهو ما عبَّر عنه بإيجاز “جمال الدين الأفغاني” حينما قال:
“لو لم يجدوكم نِعاجا لما كانوا ذِئابا“.
فنحن مجتمع يُراوح مكانه، ليس حتما لأن في البلاد سلطة تُريد ذلك، بل لأن المجتمع “ينسج” عبر منظومته الأخلاقية، ذِهنية تمجد الفساد و تنبهر بالمفسدين انبهارا، وبذلك فإنه يمنح للفساد أهم ركائز بقائه واستمراره.
انظر مثلا إلى الحكومة، والبرلمان وعشرات الأحزاب، كل ذلك لم يمنع من أن تظل السلطة بحزبها الحاكم هي الفاعل الوحيد في الساحة، على نحو يُلغي ما سواه، فهل السبب في ذلك يعود إلى “تسلط” الحكومة ووقوفها بالحديد والنار ضد أي فاعل آخر؟ كلّا! وهل “مؤسسات” المجتمع المدني من هيئات سياسية ونقابية واجتماعية وحقوقية.. هي التي تختار التبعية والانحناء “طواعية”؟ لا أدري ،،، الأكيد هو أنها تتعايش مع الفساد في ألفة وتراض. لماذا؟ الله أعلم.