الريادة

باباه ولد التراد: الأمة التي لا تعرف هويتها حري بها أن تركن إلى عرش وهمي

الريادة / قال الكاتب والأديب، الأستاذ باباه ولد التراد، إن الشعوب الحية هي التي تكتب تاريخها وتمحصه، “فالأمة التي لاتعرف هويتها ولا تقف على خصائص ذاتها،حري بها أن تركن إلى عرش وَهْمِي وعندئذ تنهار حضارتها وتختفي سماتها الأساسية”. على حد قوله.

جاءت كلمة ولد التراد، مساء أمس الأحد في كلمة ألقاها بمناسبة تقديم كتابه (مقالات كاشفة)، خلال دوة نظمتها جمعية التواصل الثقافي المغاربي.

وفي ما يلي نص الكلمة:

بسم الله   والصلاة والسلام على رسول الله  وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

في البداية أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لهذا الجمع المبارك  الذي شرفنا بحضوره لهذه الندوة التي ستناقش كتاب(مقالات كاشفة خفايا تنازع الوجود وإعاقة الانبعاث )  وأخص بالشكر كلا من  الدكتور الخليل النحوي رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، والدكتور بدّي ولد ابنو مدير مركز الأبحاث والدراسات العليا، والشاعر المختار السالم أحمد سالم على ما بذلوه من جهود في جميع  المحطات التي مر بها هذا الكتاب الذي  قربني من منارات علمية كبرى.
كذلك فإنني أتقدم بجزيل الشكر للقائمين على جمعية التواصل الثقافي المغاربي على التعاون معنا والتنظيم  الجيد  لهذه الندوة، التي اخترنا أن يتم تنظيمها في اليوم الذي توفى فيه المرحوم الشاعر فاضل أمين قبل أربعين سنة

أيها السادة

قبل أن تكون بعض المقالات التي كتبتها في فترات سابقة فصولا في كتاب، تلقيت من كثيرين قرأوا تلك النصوص رغبةً شديدة في استخراجها كتابا وافيا، مع أنها في الأصل عناوين مبثوثة لا يجمع بينها إلا الهم الوطني والقومي، وإن كان ذلك التنوع مفيدا لدفع الرتابة فحين تنتقل من موضوع إلى آخر لا يعالج نفس الهم فسوف تشعر برغبة لمتابعة القراءة.
 ثم إن الشعوب الحية هي التي تكتب تاريخها وتمحصه، فالأمة التي لاتعرف هويتها ولا تقف على خصائص ذاتها،حري بها أن تركن إلى عرش وَهْمِي وعندئذ تنهار حضارتها وتختفي سماتها الأساسية،

لذلك كانت مكونات الهوية المتعددة، وفي مقدمتها اللغة و البعد الحضاري، هي البداية في هذا الكتاب حيث ترتبط اللغة ارتباطا قويا بهوية الإنسان، في أشكالها وأبعادها ومستوياتها النفسية،لأن اللغة، في أي مجتمع، هي الواجهة الحاملة والحاضنة للملامح الأساسية لهذه الهوية،
 لهذا يبقى دورها أساسيا في بلادنا حتى ولو كانت بعض النخب في مجتمعنا قد اصطفّت مع الآخر لمحاربة الروافد المستمِدة من الفكر العربي الإسلامي الأصيل،خشية الانتماء إليه، مع أنها تقصر عن بلوغ كنه الثقافة الغربية التي تنتحلها، مطمئنة لما تقول دون أي بحث عما تقصد حقا، إلى كونها تدرك أن كثيرا من الكتاب والثوار العروبيين والكونيين تجاوزوا المحلية جراء فكرهم ونضالهم وأمانة انتمائهم إلى الشعب.
وفي هذا المقام فإن كل مجتمع يدين بعقيدة معينة حري به أن تكون له نظريته التربوية الخاصة به فالتربية لا تستعار ولا تستورد بل هي ذات صلة وثيقة بعقيدة المجتمع ومبادئه التي يؤمن بها ولا يستطيع أي مجتمع أن يتبني النظرية التربوية لمجتمع آخر دون أن يتخلى عن جزء من عقيدته ومبادئه.
ومع ذلك، كان الجانب السياسي حاضرا في هذا الكتاب باعتبار أن التحولات الهيكلية للنظام الدولي الجديد قد أدت إلى نقص في قدرة الدولة على التحكم في مواطنيها إثر ضغوط من أعلى جاءت من الفاعلين فوق الدولة، وأخرى من أسفل جاءت من فاعلين دون الوطن، وعندها تغير التعريف العلمي السياسي والقانوني للسيادة الوطنية : من احتكار السلطة من جانب الدولة إلى مسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها لتفتح أطرافٌ فوق الدولة أبوابًا أخرى لحماية مزعومة لبعض المواطنين تحت ذريعة التدخل الإنساني.

وبطبيعة الحال فإن الجانب الاجتماعي كان حاضرا بقوة في هذا الكتاب، حيث تطرق إلى العلاقة بين الدولة الموريتانية الحديثة والقبيلة وعاداتها، وأن العادات، إذا كانت كاشفة عن مناط الحكم أو كانت هي نفسها مناطاً للحكم، فإنها بذلك  تكون كالقياس الذي يعد مظهراً غير مستقل لأن الحكم المبني عليه مستند إلى النص الشرعي الذي كشف القياسُ عن علته.

أما في الجانب الاقتصادي وغير بعيد عن المجال الاجتماعي، فقد تناول هذا الكتاب مِرْتَنة الحِرَف والْمِهَن لأن الإسلام دين لا يعرف البطالة والخمول والتسول بل هو دين العمل الذي هو ديدن الصالحين وطريق المؤمنين الذين آثروا الكسب الحلال على ذل السؤال.

أما في المجال القومي فإن الأمة العربية التي تمتلك روح المقاومة وتحتل موقع القلب من الجغرافيا العالمية ويقف وراءها تراث العروبة والإسلام وينشد أبناؤها الشرفاء، الذين لم يغادروا الميدان، الوحدةَ والحرية والعدالة الاجتماعية، فليس من الوفاء عدم التعاطي مع محنتها الراهنة لذلك فقد خصصنا جزءا من صفحات هذا الكتاب لشؤونها وهمومها.
غير أن التطرق لأوضاع الأمة العربية الصعبة لا يمكن الحديث عنه بمعزل عن أطماع جيرانها، ذلك أن لدى كل من إيران وتركيا، في المنطقة العربية،أطماعَاإمبراطوريةٍ تعود إلى عصور سابقة.

ولعل من المفيد أن نؤكد أننا عزونا كل نص إلى قائله   لذلك فقد اعتمدنا قائمة المراجع حرصا على نزاهة المنهج، مع أننا في الغالب نهيئ الفكرة ونقوم بالترتيب وما سوى ذلك هو نصوص العلماء والمؤلفين والكتاب.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية