الريادة

أولئك الذين سمى الله فاحذروهم  رد على المشكك في عذاب الكفار..

محمد يحيى احريمو 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة في أن من مات على الشرك فلن يغفر الله،  ولن يقبل منه ملأ الأرض ذهبا ولو افتدى به، وأنه مخلد في النار كقوله تعلى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله تعلى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب  ولا هم ينظرون) وقوله سبحانه: ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) الى غير ذلك من الآيات الصريحة في الموضوع والاحاديث بمعناها كثيرة جدا.
وذكر هذا القيد (وماتوا وهم كفار) للتنصيص الذي ليس في اللغة أصرح منه.
ومن الزيغ والضلال  أن تترك هذه النصوص الواضحة وتتعلق بنصوص أخرى وردت في سياق معين كقول عيسى في خطابه اكلله تعلى متأدبا معه ومسلما لحكمه ومتبرئا من الشهادة على قومه بعد ما رفعه الله إليه: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فهذا كلام خارج مخرج التسليم لحكم الله كما قال سبحانه: (ليس لك من الأمر شيء) وعيسى عليه السلام قد نبأه الله بمصير الكفار فقال سبحانه: (إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) وأنبأ هو بني إسرائيل بذلك فقال: (يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) الآية.
ثم إن ما حكاه الله عن المسيح من قوله: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) قضية شرطية لا تقتضي الوقوع كما هو معلوم في العربية والمنطق، بل مورد الصدق والكذب فيها هو ارتباط الجزاء بالشرط وعدم تخلفه عنه. وهذا معلوم من قواعد العربية خصوصا في إن الشرطية بخلاف “إذا” التي تقتضي الوقوع، فالآية على هذا ليس فيها تردد في تعذيبهم بل غاية ما تفيد أنه تعلى عذبهم فبعدله، وإن رحمهم فبفضله. وهذا لا يقتضي أنه سيرحمهم فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: “لو عاش إبراهيم لكان نبيا”. والآية كذلك متناولة لمؤمني قوم عيسى الذين كان شهيدا عليهم مدة حياته، وفيهم من هو أهل للرحمة والمغفرة. وهذا يرشد إليه ما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن أبي ذر قال: صلى الله عليه وسلم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الخ فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت قال: إني سألت ربي سبحانه الشفاعة فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله تعالى من لا يشرك بالله تعالى شيئًا”. فوقع التقييد بعدم الشرك.
ثم إن شهادة عيسى إنما تتعلق بالنصارى قبل بعثة النبي صلى  الله عليه وسلم، أما بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فهم من أمة الدعوة وهو شهيد عليهم صلى الله عليه وسلم.
فعلم بذلك أن الآية لا تدل على ما ادعاه هذا المدعي، وأن التعلق بها في مقابلة النصوص الصريحة الدالة على تحتم عذاب الكفار في الآخرة إنما هو اتباع للمتشابهات وترك للمحكمات وهذا شأن أهل الزيغ والضلال نسأل الله السلامة والعافية. وقد عد الشاطبي وغيره التمسك بالعام والظاهر في مقابلة الخاص والنص الصريح من قييل اتباع المتشابهات وترك المحكمات. فما بالك بهذا ؟
وعلى هذا القائل أن يعلم أن إيمانه على خطر، وأنه أنكر ما علم من الدين بالضرورة وترك محكمات الكتاب، فليتهم نفسه وهواه وليتب إلى الله ويترك الثقة المطلقة في فهمه القاصر، المبني على جهل بالشرع واللسان العربي والمنطق. ويكفي أنه لم يسبق أحد إلى هذا القول في الإسلام.
والعجب منه كيف يعلن التبرأ من الظلم وبغض أهله وينسى أن الشرك هو أعظم الظلم مما قال تعلى: (إن الشرك لظلم عظيم) وقال سبحانه: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وفسر الظلم في الآية بالشرك؛ قال العلماء: لأنه الذي يلابس الإيمان. وقال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أعظم الذنب: “أن تجعل لله ندا وهو خلقك”
وأغرب من ذلك تبريه من الديانة الإبراهيمية المفتراة وهو لعمر الله قد وقع فيما وقع فيه أولئك، حيث خلط بين الكفر والإيمان وسوى بينهما في الآخرة ونسي أن هناك حاجزا منيعا بينهما: (أفنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالأبرار) وقال سبحانه: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خلدون) نعوذ بالله من الخذلان وطمس البصيرة.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم”

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية