الريادة

حقوق الصحفيين المقدمة الاولي للحرية

 أحمد الدوه

في القرن الخامس قبل الميلاد قرر الفيلسوف اليوناني أنبا أغليدس أن العناصر التي يقوم عليها الوجود أربعة : الماء – الهواء – النار – التراب – وفي القرن الحادي والعشرين   يضاف عنصر خامس جديد على هذه العناصر أساسي وضروري ، هو (الخبر) كعنصر مكون وجوديا في حضارة التقنيات والقرية الكونية الواحدة ، بعد أن اندمجت وسائل النقل الخبري والمسموعة والمرئية والمكتوبة في شبكة واحدة تربط البشر ..

وتنشر الخبر في أسرع من البرق ، كما أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون ماء أو هواء لا يمكنه أيضا أن يعيش من دون خبر (خاصة في مجتمعنا الموريتاني المعروف بحبه لكل جديد بكلمته المشهورة(اشطارى  ) وهذه حقيقة يجب أن يفهمها ويعيها المشرفون على مصادر الخبر في بلادنا في وقت صنفت فيه منظمة مراسلون بلا حدود بلادنا في طليعة البلدان العربية  في السنوات الماضية،التي ينعم فيها سندة صاحبة الجلالة بالحرية يدعونا إلى التساؤل ، عن أسباب انفرادنا بهذا الشرف على المستوى العربي ؟ هل يعود ذلك لسياسة انفتاح إعلامي فريدة من نوعها تشهدها بلادنا ؟ أم أن لسياسات إنسداد وكبت قاسية يخضع لها زملاؤنا في الوطن العربي ؟ ومهما كان السبب فإنه لا جدال أن تحسنا لأوضاع صحافتنا المحلية ، أمر ملموس ومشهود.

 فقد حصلت هناك إرادة جادة (أحيانا) من أجل تحسين أوضاع الصحافة والصحفيين ، فإلى عهد قريب يخجل الواحد منا أن يقدم نفسه على أنه صحفي لما تحمله الدلالة المشينة لهذه الكلمة من مفاهيم ، لا تمت بصلة لمهنة الشرف والرأي والتنوير ولا شك أن بوادر إصلاح شبه جادة بدأت مع المرحلة الانتقالية 2005 ، وواصلت مسيرتها المتعثرة إلا أن وصلت للوضع الحالي المفعم بالإيجابيات ، فقد أصدرت الدولة اللوائح التشريعية وأنشأت الهيئات التنفيذية والتنظيمية ، ورصدت الموارد المالية ، من أجل دعم وتنقية المجال الصحفي وأصدرت قانونا بحظر سجن الصحفيين ، رغم أن قضاتنا لم يحاكموا أي صحفي في البلاد بقانون الصحافة بل بقانون الجنايات ، وتهم التشهير والتجريح ، وقد ولجت بلادنا المجال السمعي البصري لأول مرة في تاريخها ، وهذه حقائق تذكر فتشكر ، هذه الأمور تجعل المشرفين على مصادر الخبر في بلادنا يدركون أهمية وضرورة ، تحرير قطاعي السمعي البصري حقيقة لا مجازا ، لوصول الصحفي لمصادر الخبر ، كحقي طبيعي لكل صحفي ينشد الحقيقة ويموت من أجلها ، بعيدا عن المزايدات والشائعات ولافتراءات التي تربك المتلقي وتضلله وتفرض عليه عدم الاطمئنان ، لمصادر الأخبار … ولا شك أنها مفارقة مريبة إذ أنه في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهودا كبيرة لدعم الصحافة

تبذل جهودا مضاعفة لإسكاتها وإبعادها عن مصادر الأخبار ، والمفارقة الأكبر ريبة ، هي حساسية نظامنا الحالي  المفرطة من التصوير الصحفي حتى في الشوارع العامة فكم من الزملاء الصحفيين تم الاعتداء عليهم  ومصادرة كاميراتهم وأجهزتهم خلال تغطيتهم لوقفات محتجين  ..

مما يحرم المواطن من معرفة الواقع كما أن هذا الأسلوب يتنافى والديمقراطية  التضييق على المتاح من حرية التعبير .

ان حرية الصحافة هي” المقدمة الأولى للديمقراطية” ولضمان الحريات الفردية والجماعية التي هي الغاية الجوهرية المرفوعة فلا بد للقائمين على قطاع السمعي البصري بفتح بنك للأخبار والمعلومات يعطي الخبر والمعلومات الدقيقة التي تتعلق بشأن العام بكل شفافية وموضوعية فلا معنى لتحرير السمع البصري دون أن يحرر الصحفي برفع الحصار الإعلامي عنه وحصوله على حقه الطبيعي في المعلومة والخبر ، وعدم مضايقته في عمله ، وآرائه ومضايقات المؤسسات التي يعمل فيها ، و الضغط على مصادر تمويله ، بالترغيب أحيانا والترهيب في كل لأحايين ، فلا بد للنظام الذي يعلن محاربة الفساد والمفسدين أن يتخذ من الصحافة أقوى سلاح لمحاربة الفساد وفضح المفسدين ، ولن يتأتى ذلك إلا بفتح مصادر الأخبار والمعلومات ، خاصة في ملفات الرشوة و اختلاس المال العام ، والمتابعة السياسية التي زج بأصحابها في السجن بتهم خطيرة وكبيرة وفجأة إذا هم خارج السجن يتمتعون بالحرية وينالون أعلى الأوسمة والجوائز ومن القريبين من النظام … فلا معنى للديمقراطية والحرية بدون أن يتمتع الصحفي بحرية نفسية ومعنوية تمكنه من الوصول للحقيقة كما هي ، وتقديمها للرأي العام بكل تجرد ومهنية بعيدا عن المزايدات والمغالطات التي تفرض على المواطن عدم الاطمئنان لمصادر الخبر( ما  تعيين الحكومة الأخيرة ومنا ببعيد  

ان السلطات العمومية مطالبة اليوم بعدنا نال بلدنا الدرجة الأولى عربيا ، من إبداء حسن النية وحسن النية لا يكفي بل بالإرادة المجسدة على أرض الواقع ، بمعنى أن يكون العمل الصحفي مؤسسا على استراتجيات وخطط مستقبلية ، تأخذ بالاعتبار حقوق الصحفيين على مستوى النصوص والممارسات الميدانية هذا إذا كنا نسعى للحفاظ على الدرجة ، التي حصلنا عليها في حرية الصحافة لكسب رهان التنمية وإرساء الحريات والديمقراطية والسلم الاجتماعي والرفاه الاقتصادي ، ولن يتحقق ذلك إلا بتغيير

جدري في العقلية الرسمية مما يهيئ مساحة اكبر من الحرية وتعويد المواطن ، على المشاركة في صنع القرار ، ومعرفة الواقع واستشراف المستقبل ، وإخراج الإعلام من سطوة الأنظمة الإستبدادية التي دجنت المواطن والنخبة الوطنية بخطاب وإعلام  التمجيد وثقافة “التطبلوجيا” وهي ثقافة تقديس وتمجيد وتبجيل الفرد صاحب فخامة المرحلة. من أجل ذلك يتعين على وسائل الإعلام الحرة المستقلة أن تتجه إلى التحرر من أسلوب التبعية العمياء المعهودة ، لدى الأنظمة المستبدة التي تحكم.

 ولن يكون ذلك إلا بفتح وسائل الإعلام الحرة المسموعة والمرئية والمكتوبة أمام الخواص الوطنيين ، والمشاركة الفعلية للصحافيين من أجل خلق مؤسسات ثقافية وفكرية وتنموية رائدة تخدم التقدم والتنمية .

ان الحرية ليست غاية شكلية وإنما غاية جوهرية بتحقيق مشاريع وطنية كبرى ، لتنمية الوعي الثقافي والسياسي للمواطن وخلق رأي عام وطني يعي الحقائق الوطنية والتطورات الدولية .

انه من المخجل أن تخدع سلطتنا وصحافتنا المواطن الذي من حقه أن يعرف الحقيقة عن أوضاع وطنه و أمته والعالم .

ان التاريخ لن يرحمنا، إذا واصلنا تسيير وطن، بحجم موريتانيا بعقلية واهية أحادية ، تتجاهل مشكلاتنا الحقيقية الكامنة في غياب الرؤية السلمية الإستراتيجية الملائمة ، والممارسة الأخلاقية ، (فلا حرية بدون مسؤولية ،ولا نظام بدون القانون ، ولا تقدم بدون الاعتماد على الكفاءات الوطنية  ، ولن يتحقق ذلك إلا بمؤسسات تحرر الصحفي سياسيا،واقتصاديا ،بما يكفل له أن يتحرر فكريا وثقافيا وإعلاميا ،( فلا تنمية بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون صحافة حرة (فالصحافة عين الشعب على السلطة وعين السلطة على الشعب) .

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية