الريادة

في سبيل بناء الجمهورية الجديدة / باب ولد أحمد ولد الشيخ سيديا

لا مراء في أن الدولة الموريتانية مقبلة على تحولات عميقة يفرضها الواقع والضرورات الملحة في التغيير  في بنية الدولة العميقة كمؤسسات تحتاج التجديد والنظر بعين متقدة وواعية  لحل كل المشكلات التى يعيشها البلد في راهنيته وتاريخيته بقدر من السهولة والاحتراز والحكمة والتشارك بين أبناء البلد عموما.

لذلك تبدو  اللحظة المعاشة لحظة حرجة في تبدل الأحكام السلطوية وضرورة التغيير  المؤسساتي العميق دونما اهتزازات غير مدروسة العواقب أو رؤية  لا تبنى على الواقع والنظر إلى مشكلات البلد وقضاياه محل المراجعة، وهو ما يستدعى من القائمين على الشأن العام وضع حلول  جادة عبر زمن ليس بالطويل لمرتكزات  ثلاث تتمثل في الآتى:

  • مراجعة نظام الحكم القائم في البلد ووضع بدائل معاصرة وجاذبة لممارسة الفعل السياسي.
  • العمل على خلق بيئات اجتماعية عادلة منسجمة في إطار الممارسات الجمهورية للأقوال والأفعال.
  • خلق ديناميات جديدة في ممارسة العمل السياسي الحزبي، مع مراعاة التحولات العميقة التى يعرفها المجتمع من خلال المنتديات والحوارات المجتمعية.

ومع ذلك يبدو  خطاب رئيس الجمهورية لحظة استلامه للسلطة خطابا جادا في عرضه للمشكلات البنيوية التى يعاني منها البلد عاكسا التدرج في نوعية هذه المشاكل وطبيعة حلها بقدر من الاختصار قد يجد الإجابة في برنامجه أو تصوره لحلحلة تلك القضايا، لكنه أبان عن توجه جديد في تعاطي الحاكم مع المحكومين .

لكن هذا الخطاب التصالحي رغم أهميته في صنع التقارب والمشاركة الناضجة بين الفاعلين يعكس ضرورة أن البلد بحاجة إلى التغيير الهادئ والمسؤول قصد إجماع وطني بالمفهوم السياسي قوامه الاحساس بالمسؤولية واقتناص اللحظة الديمقراطية التى يمر بها البلد من أجل الرفع من مستويات التعاطي والذهاب بعيدا إلى أبعاد تنموية واعدة، لكن قوام نضجها يرتكز على ما قبلها ضرورة من استقرار وتعليم و إصلاح.

وهو ما يجعل المرحلة القادمة مرحلة بناء بالضرورة تتجاوز الماضي التاريخي عموما للبلد لكنها لا تقفز ولا تتعالى عليه فالأمم تبنى بالاستمرارية رغم العوائق والتصدعات التى تظهر في تاريخية الدولة بين الفترة والأخر ى.  وهو ما قلل حسب وجهة نظرنا من فاعلية الكثير من الاصلاحات التى كان يمكن أن تشكل تحولا ربما جذريا في طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة وتعايش المعادلتين وفق تصور نظري ناضج لدولة العدل والمساواة.  مما يتمثل في النقاط التالية:

علاقة الدولة بالمواطن: يحتاج هذا البعد نظرا جديدا لا يتأسس على تاريخية المجتمع القبلية بوصفها الاطار الجامع لأفرادها ممن يجتمعون إبان المحن والقلاقل أو الحاجة من خلال التنظيمات التى تشبه الدولة في قضائها للحوائج والنصرة  حين الحاجة تبعا للسياسات القبلية .

والحق أن هذا النظام ترسخ جدا في البلاد الموريتانية وتحول وفق الأحوال ومازال إلى أيام الناس هذه  يلعب دورا أساسيا استئناسا بالفتاوى الفقهية والنوازل المجتمعية .

وهو أمر قلل من قوة الدولة وبروزها كقوة فاعلة لها القدرة في صنع القرارات والالزامية العامة  لمبادئها ومرتكزاتها، مما جعل الصراع الخفي يظهر ويختفي حسب قوة الدولة وامكانياتها في حلحلة القضايا المجتمعية  ورسوخ القناعة بالقوانين وتطبيقها.

النظر في المظالم التاريخية / الاجتماعية: يحتاج الأمر إلى نقاش جدي تصالحي يتجاوز الماضي ببعث الروح الوطنية في النفوس و العمل على طمأنة الجميع بأن الغبن والتهميش أمر ان لا تقبلهما  الوقائع بل هما من المتجاوز المقيت، ولعل إقامة ندوات علمية بين مختلف الفاعلين و الشركاء  تتسم بالصراحة والمكاشفة كفيل جدا بوضع تصور متين وجاد لدولة العدل والمساواة المرجوة والتى صارت من المطالب الملحة والمستعجلة.

إصلاح التعليم: يظهر هذا المطلب كأولوية قصوى مستعجلة على مختلف الأصعدة سواء تعلق الأمر بالكادر  المنظم للعملية التربوية ذاتها أو كان على مستوى المخرجات التعلمية بغض النظر عن طبيعتها.

لذالك تبدو الأزمة أزمة معرفية تتعلق بسؤال المطالب المرجوة و المتوخاة من أي عملية اصلاح تربوية للقطاع لكن ضرورة حلها يكمن ضرورة في التشاور وخلق الحوارات الوطنية الجادة في سبيل بناء تعليم جاد ومخرج ناضج وفاعل في البناء التنموي.

تجديد الطبقة السياسية : ظل هذا المطلب تصورا يظهر من حين إلى آخر تبعا لعمر الدولة لكنه في أغلب لحظاته كان باهتا وضبابيا في الرؤية والمفهوم والمضمون.

لكن ضرورة المرحلة وطبيعتها تفرض نمطا جديدا من التعامل في الممارسة السياسية والنظر إليها بمفهوم بنيوي يتجاوز الشخص وميولاته وعواطفه إلى مضامين العملية ذاتها ليكون التجديد في القوانين والمراسيم ورسم قواعد سياسية ناضجة يتساوى فيها الجميع على أساس من المواطنة و  قيم الجمهورية

الاصلاح الاداري: رغم تشابك هذه المصطلحات مع مفاهيم قريبة تختلط في أحايين كثيرة على المعنيين بهذا الشأن  لعل من أهمها التحديث الاداري  وعصرنة الادارة، فإن هذا المطلب من القضايا الملحة في بلادنا والتى تظهر  بحاجة إلى التغيير الجاد برؤية تعكس تطور الدولة وفاعليتها ونضج مؤسساتها وتعاطيها مع الأفراد والمجموعات ، ولعل هذا الأمر يحتاج إلى أيام تشاركية اجماعية لخلق نمط من التعاطي الاداري السلس المبني على وضوح الرؤية والقناعة بأهمية هذا المرفق العام  .

إصلاح المؤسسات القضائية: يظهر مطلب العدل أساسا لبناء الدولة وقوامها ورسوها على بر الأمان وهو أمر لابد فيه من وضع سياسية اصلاحية للقضاء تشرف عليها نخبة من مثقفي البلد و مختصيه في المجال التشريعي والقانوني.

التنمية المحلية/ الثقافية: تبدو شنقيط وحواضرها المتألقة ثقافيا في ظاهرة نادرة الوقوع في الأطراف البدوية تعيش ركودا ثقافيا وفكريا بحاجة جادة إلى زرع روح ابداعية جديدة قوامها التكريم للقامات الابداعية وخلق الهيئات الثقافية والجوائز  التكريمية وبعث روح ثقافية جديدة.

ولا تبدو  التنمية المحلية أقل شأوا من سابقتها حيث  يحتاج البلد إلى ورشات تنموية تركز على الريف وعلى المناطق الهشة والضعيفة في البلاد من خلال تشجيع الابتكارات و الأفكار والتضحيات.

وعموما فـإن مستقبل الأمة يحتاج تفاعل الشركاء والإحساس بالمسؤولية الاخلاقية الملقاة عليهم في ظل احترام القوانين والمؤسسات في ظل دولة المواطنة  التى ينسجم فيها الجميع حيث لا غالب ولا مغلوب، وهو ما أتمنى كغيري  الشروع  فيه مبكرا  من خلال تصور حداثي لمختلف القضايا والمواضيع ذات الطبيعة المستعجلة أو غيرها في سبيل  بناء الجمهورية.

أخبار ذات صلة

تويوتا: السيارة الفضائية الجديدة

Bilal Aly

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية