الريادة

كيف خمدت في الأمة جذوة العروبة والإسلام؟!!!

إن تلك الجذوة المتقدة داخل الإنسان العربي التي  استقبلها بروحه وعقله بكل مدى قدرتهما واستطاع  الانغماس في أنوار الهداية والرشاد التي استقبلها من القرآن واقوال وافعال وتقرير رسول  الله  صلى الله عليه وسلم قد أعادت صياغة وجدان وعقل إنسان هذه الارض التي عاشت فترتها في شذوذ وضلال وغي ونزغ وطيش فابدلت ذلك كله حكمة وعدلا وصفاء فانطلق في رحلة كمال وجمال  إلى انتصارات ومآثر خالدة عندما كانت في مرحلتها الاولى والمد مكتمل ،فهزمت القبائل العربية واخضعت من لم يخضع في تاريخه وأزالت بؤر الشر المبثوثة في الجزيرة العربية، ثم هزمت الفرس والروم والسند والهند ،وبلاد خراسان والاندلس وصقلية و انتصر فيها سكان الصحراء في المعارك البحرية كما الحال في معركة  ذات الصواري ٣٥ هجرية – ٦٥٥ ميلادية ضد البزنطيين وفي مراحل متأخرة وكان التدهور مازال في حدود معينة  و لم تنطفئ الجذوة بكاملها فقد جرت  هزيمة التتار في معركة عين جالوت  ١٢٦٠  بعد ان اسقط التتار الدولة الخوارزمية القوية في الشرق وبعد قتل المستعصم بالله آخر خلفاء العباسيين  واولاده منهية بذلك الخلافة العباسية التي استمرت طويلا مترهلة تنتظر من يجهز عليها فكان هلاكو فدمر بغداد وعاث هو وأولاده وجنوده في الأرض فساد ،حتى ظنوا أنهم لن يهزموا فهزمهم المصريون في معركة عين جالوت الخالدة ١٢٦٠ بقيادة سيف الدين قطس يؤازره العلماء وعامة الشعب يدفعهم وينير دربهم جذوة العروبة والإسلام الخالدة المتقدة في قلوبهم واذهانهم وهي نفسها الجذوة التي  أدت إلى إفشال أوروبا و جميع حملاتها المدعومة دينيا وزمنيا بقيادة جميع الملوك بمباركة باب الكنيسة وقساوسته تحت راية الصليب ورفع شعار استرداد مهد المسيح واسترداد الأرض المقدسة، والتي استطاعت عبر حملات كثيرة ومعارك دامت عشرات السنوات  إقامة المماليك والإمارات والحصون ، وتمت سيطرتهم على القدس  والأقصى ،فلم يصمد ما اقاموا وحققوا أمام  جذوة الإسلام والعروبة ،فكانت معركة حطين ٤ يوليو  ١١٨٧ الفاصلة بقيادة القائد العربي الإسلامي الخالد صلاح الدين الأيوبي وخرج الصليبيون يجرون أذيال الهزيمة بعد مئات السنوات و أكثر من قرنين من الحملات والسيطرة على أكثر من منطقة في الشام ومنها بيت المقدس خرجوا كما جاؤوا أمام جذوة العروبة والإسلام المتقدة ، التي لم تكن تخبوا قليلا حتى تعيد اتقادها وسطوع أوارها وتلالئها وقد عجزت مرحلة الحكم العثماني والغزو الفرنسي والاوربي ان ينال من هذه الجذوة التي يمكن تسميتها ايضا بالروح المتقمصة لإنسان هذه الأراض المقدسة التي منها خرج كل الرسل، إنها روح العروبة والإسلام، فظل نضال  الأحرار تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل يتناوبون رفع راية العروبة والإسلام فوق رؤوسهم خفاقة !!!
لقد قاوم عشرات الأبطال من مصر والشام أساليب التعسف للحكام  العثمانيين واسترخص الكثيرون منهم  حياتهم دفاعا عن عروبتهم فكانت تلك المقاومة هي مصدر ذلك النبع العروبي الذي لاينضب المتدفق من بلاد الشام سوريا ولبنان وفلسطين الذي كان من مظاهره أدباء المهجر وجرجي زيدان، وأولئك الأدباء السياسيون و المفكرون كمشيل عفلق ورفاقه مؤسسي البعث العربي الاشتراكي، وجيل كامل من الادباء والفلاسفة والمفكرين منهم مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطوني سعادة، وعشرات ممن حملوا شعلة العروبة من أدباء ومن سياسيين في منطقة الشام والهلال الخصيب .
وفي مصر أرض الكنانة ذاق نابليون وحملته الأمرين من  تلك الروح المتقدة في العلماء من الأزهر وخارجه وقتل في مصر قائد القوات الفرنسية الجنرال كليبر على يد سليمان الحلبي من طلاب الأزهر الشريف في القاهرة وظلت راية العروبة والإسلام تخفق من جيل لجيل فكان دور العلماء الجزائريون ابن باديس وصحبه  حاسما في إفشال مخطط “فرنسة” الجزائر، وعند قيام ثورة ١٤ نوفمبر الخالدة في الجزائر العظيمة تجلى دور العلاقة المتكاملة المتداخلة بين العروبة والإسلام عندما تمكنت الثورة الجزائرية التي قدمت مليوني شهيد  من طرد المحتل و أذلت جنرالاته وخيبت مشاريعه الأستطانية وفي ١٩٥٢ جاءت ثورة عبد الناصر المباركة والتي وجدت الوضع مهيئا لشعارات العروبة فاستطاع بذكائه الخارق وبعد نظره اكتشاف حركة الواقع وملامح المرحلة رغم أنه كان متأثرا جدا بتيار حسن البنا السائد  في ذلك الوقت في مصر وفي أوساط الضباط الأحرار، فقام رغم ذلك بحمل شعار الوحدة العربية ورغم أن الكثيرين وإني منهم يرون أن افتراق القومية في مصر مع الأسلمة كان يجب أن لا يكون بالأسلوب الذي حدث  فقد استطاع عبد الناصر تحريك الشارع العربي من سبتة وامليلة في المغرب حتى الخليل ونابلس في فلسطين ومن انواكشوط إلى البصرة والأهواز، فكانت الأنتصارات العظيمة على العدوان الثلاثي الإسرائيلي الأنكليزي الفرنسي الذي ظهر فيه الشعب العربي في كل الأقطار مساعدا ومساندا وكان دور الشام الذي كان فيه تيار البعث العربي الاشتراكي ورموز كثيرة  من التيار العروبي القومي قويا فكانوا جميعا في مقدمة من وقفوا مع مصر أثناء العدوان  ١٩٥٦ حتى هزيمة العدوان الثلاثي ، ولقد هب الشعب العربي  في كل الأقطار وتم تدمير أنابيب نفط لشركة نفط العراق المملوكة للإنكليز وعمت ردود الأفعال كل أنحاء الأرض العربية وكانت إذاعة دمشق هي التي عندما تم قصف  إذاعة صوت العرب في القاهرة أعلن المذيع في إذاعة دمشق  قوله هنا صوت العرب من دمشق وأعلنت إذاعة بغداد هنا إذاعة القاهرة من بغداد ،هذه الروح هي التي سادت في الخمسينات و كادت أمامها تنهزم كل الأفكار المناوئة والمناهضة والمشككة  في وحدة الأمة !!!

فكيف تغير هذا الوضع كيف بدأت جذوة اتقاد شعلة العروبة والإسلام  تنطفيء ؟!

لقد شكلت الخمسينات والستينات والسبعينات  من القرن العشرين ،كلها مدا غير مسبوق للفكرة القومية بتنوعاتها المختلفة فقامت حكومات عديدة بإعلان تبنيها نهج التوجه القومي بتلوناته المختلفة ،فقام نظامان للبعث قام في سوريا بعد انقلاب ٢١- ٢٣ شباط ١٩٦٦ في سوريا وإحلال قيادة قومية مكان القيادة القومية التاريخية ، و وفي ١٧ – ٣٠ تموز ١٩٦٨ قامت ثورة العراق المعترفة بالقيادة القومية التاريخية وبذلك صار هناك نظامان بعثيان واحد في سوريا والآخر في بغداد و قام نظامان قوميان ينحوان منحى الناصرية في السودان وليبيا و كان هناك نظامان تحرريان تقدميان في اليمن الجنوبي يتبنى الماركسية وفي الجزائر نظام تقدمي  قطري، وقد كان في الصومال نظام أقرب للتحررية، وكانت أكثرية حركات التحرر تتقاسمها القومية والماركسية سواء في فلسطين أو في مختلف الأقطار ولقد اجتمع عاملان على تليين الخط القومي والتقدمي وتهيئته للتأثر بمؤامرات الأعداء الأول : هو شيوع الصراع الشديد بين أطراف التيار القومي والتحرري بحيث استنزف قوتهم وأضر كثيرا ببرامجهم المرحلية
الثاني : تحالف الامبريالية والرجعية والصهيونية واعتمادهم على جهل الشعب فاستطاعوا بالإضافة لمحاربتهم لأمن واستقرار الدول التحررية نجحوا بخلق  مشاغل من كل نوع تمنع التقدم والتطور ،فحرفوا وجهة النضال بدل توجهه لفلسطين وجهته إمريكا بمساعدة السعودية وباكستان نحو آفغانستان وعبؤوا الشباب المسلم  للجهاد في آفغانستان ضد روسيا الملحدة كما ادعوا ولم يستطيع احد من المخدوعين بهذا التوجه من العلماء الذين افتوا ومن الشباب الذي بدأوا يتدربوا على ايد المخابرات الإمريكية أن يكتشف أن الشباب المسلم لو كان له أن يشارك في جهاد لكانت فلسطين أولى بالجهاد وبالتحرير من آفغانستان لقربهم أولا ولسبق احتلال إسرائيل لفلسطين لقد نفذ المجاهدون دون علمهم مهمة إمريكية بضرب روسيا وتضعيفها إنها مهمة إمريكية افضت إلى كوارث مستمرة دائما و أشغلوا الشباب بعيدا من فلسطين لقد كانت هذه العملية بداية التفرق في الاشتهادات الدينية ،فقد أصبح من أرسلوا لآفغانستان أعداء وإرهابيين للدول التي تسببت لهم في المهمة التي استخدمتهم فيها وعند نهايتها صاروا أعداء يطاردون وعند احتياجهم لضرب سوريا دربوهم وانفقوا عليهم الملايير. إنها مشكلة مستمرة هؤلاء الجهاديون يقتلون دوما ويستخدمون دائما واصبحوا كأنهم غير موجدين فهم لا يناقشون ولا يحاورون إنهم فقط يقاتلون ويقاتلون ولا تستطيع تمييز عدوهم من صديقهم !!!
أنهم فكرة إمريكية سعودية باكستانية فإنهم يقاتلون في كل اتجاه ماعدى إسرائيل ،ولوكان المال الذي أنفق على المجاهدين في آفغانستان وعلى المبعوثين للقتال في سوريا لو كان عشر هذا المال أنفق على المقاومة في فلسطين لحررت كل شيء لكن ذلك غير مقصود إنها عملية إمريكية بتمويل من الرجعية العربية ومن تأثيراتها إنهاء دور الإسلام كعامل في إذكاء تلك الجذوة التي مادامت متقدة فستكون الأمور بخير ،وفي نفس الوقت عملوا على إنهاء خطر القوة التحررية عندما حان لهم الوقت الذي هيؤوه وأجهزوا على القوة التي كانت تناوؤهم عندما تأكدوا انها لم تكن لديها القوة الشعبية ولا القوة الروحية التي تستطيع بها مواجهتهم ، وهكذا وصلو لمرحلة إطفاء الجذوة فاصبحت القومية كلاما بلا معنى لا يرتبط وجودها بافعال ونشاطات مؤثرة مجرد كلام يلوكه بلسانه ويمارس في نفس الوقت  أساليب الرجعية ولا يتورع عن العمالة لإمريكا  إذا كانت تساعد في لين المعاش وتراه يتملق الأنظمة الفاسدة و يتعامل بما عليه الحال  وعلاقاته بمختلف الانظمة  لايعنيه من القومية إلا اسماء شهداء وابطال كانوا في الماضى ملأ السمع والبصر ورحلوا وتركوا لمن يقتدى بهم نشر الفكرة وبرمجة الجهد ومواصلة الطريق ،لكن الخلف اكتفى بالاحتفالات بتاريخ الذكريات  والتسكع بين الحكومات العميلة لكسب العيش ،فانتهت القومية  وانتهت قبلها التقدمية فبمحرد سقوط مقولة البرولتاريا  لم يبقى شيء يؤمن به التقدميون إلا من رحم الله ، هذ رغم كل الادعاءات
وعلى الجانب الآخر فرغ الإسلام من محتواه فاصبح البرنامج  الوحيد الثابت هو  الصراع بين الشيعة والسنة والشتائم بينهما وإخراج كل فئة الاخرى من الملة بلا تردد  ،وداخل كل طائفة يوجد العجب العجاب !! السنة ليس هناك مجال للقاء ونقاش فالجهاديون يكفرون كل ماسواهم وتلاميذ ربيع المدخلي يكفرون  كل من ينتقد اهل  السلطة ، وهم القوة  الأهم اليوم في بلادالحرمين ،والصوفيون وما أدراك ما الصوفيون ؟! لكل منهم ليلاه يتغنى عليها واحيانا يرقص لها ،والباقي من طوائف الإسلام مشغولون بامور لايعلم إلا الله أهي جد ام هزل ؟ إن الاكثرية في نهجهم واسلوبهم لا يعلم المرؤ  في اساليبهم  ونهجهم اهم جادون.ام.متلاعبون؟!  
إننا في مرحلتنا الحالية نقف متحررين من كل ما يربطنا بذلك النبع الصافي الذي به تكتمل شخصيتنا وتنتعش ارواحنا ونستعيد وعينا  قد انتهينا الآن في مرحلتنا الحاضرة من كل نخوة ومن كل إحساس بالكرامة او المهانة ؛ اننا في مستوى من عدم الاهتمام بامور العرب وبأمور المسلمين  غير مسبوق ،إننا وراء المكسيك واتشيللى وكلونبيا وفانزويلا وجنوب إفرقيا وتتفوق علينا جنوب إفريقيا والكثير من الدول الأوربية أحسن منا تعاطفا واكثر منا أدوارا لم نقل دولة من دولنا ماقالته النرويج ولاما قالته بلجيكا ،إننا كعرب ابتعدنا كثيرا عن الشهامة والكرامة والانفة والاثرة ،وإننا كمسلمين لم يبقى معنا من الإسلام مابه نشعر بما يعيش المسلمون في غزة وفي الضفة الغربية ،الاطباء من كل الدول يسعون لدخول غزة والخدمة فيها واطباؤنا مستريحون ضمائرهم في راحة كاملة، حكوماتنا تساعد إسرائيل في تخفيف مشكلة تزويدها بحاجاتها وغزة تتضور جوعا ولا أحد يهتم ولانتحرك ،وبعض دولنا تتعاون مع إمريكا لضرب صنعاء لانهم يريدون حصار إسرائيل حتى تنهي حصار غزة ،إن عربنا اليوم  نوع جديد غير ما عرفنا سابقا عن العرب ومسلمونا  نوع جديد لم نعرفه سابقا عن المسلمين!!!

إن كل الدول العربية اليوم منفصلون عن  اي إحساس واي اهتمام فقليل من الجهد يفيد لكنه غير موجود فلا الدول تتكلم بما يفهم منه انها تقصد إلى شيء معين ولا الشعوب تتحرك بما يعني انها تهتم  إنهم جميعا تغيروا ابتعدت العرب  كثيرا عن القومية والشعور القومى  إلا ما كان من الدعاآت فارغة ،والدليل عدم وجود اي جهد يعني اهتماما بما يحرى ولو بمستوى التحركات في المدن الإمريكية و على شعورنا الدينى لاشعور لنا  فالاردن التى مواطنوها فلسطينيون تحركهم يثير السخرية ومصر كأنها إسرائيل وباكستان وتركيا لانعرف ما بهما  كلنا لا نعكس إحساس مسلمين تباد فئات منهم امام عيونهم.. ليست هناك علاقات لنا اليوم  بدين ينهي عن المنكر او يدعوا للمعروف ،يجعلنا نشعر بشيء مما تعاني غزة فلو احسسنا بشيء من ذلك لترتب عليه تحركنا ،والمسلمون لهم نسبة تحسس بما يحس إخوتهم لانهم جزء من كل فهل يشعر احد اليوم في باكستان بما تعاني غزة ؟! وهل توقفت البواخر التركية التي تحمل البضائع والخضروات والفواكه التركية إلى حيفا ؟!
خلاصة القول :
إننا اليوم مستريحون من كل علاقات بذلك النبع المقدس الذي منه نقتبس النور والطهر والنقاء و نستمد مصدر جوهرنا واصل وجودنا الذي يضمن  تمسكنا واستمرارنا عربا مؤمنين نحافظ على  قوتنا ونتمسك بالعهد الذي يحملنا انتماؤنا المادي والروحي،فكل  شيء يأتي لغزة من الشر ياتي  من قبل اسرائيل وإمريكا وابريطانيا ومن معهم وكل خير يأتي لغزة وليت هناك خير يأتي لغزة فإنه من كل جهة سوى جهات العرب والمسلمين  !!!

بقلم / التراد بن سيدى

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لتحسين خدمتنا. لمزيد من المعلومات طالع "سياسة الخصوصية" أوافق التفاصيل

سياسة الخصوصية